بسم الله , وبعد
***
لم يكن من عادتي حل مواضيع من هذا الصنف , ولكني اليوم لم أتمالك نفسي و أنا أطلع على مجموعة وثاقية أرشيفية , فوجدتني مدفوعا لكتابة هذه الأسطر ,
أعرض فيها صورتين , بينها اتفاق شديد , واختلاف شديد , فأمعنوا فيهما النظر , و استخلصوا منهما العبر .
***
الصورة الأولى
وهي صورة نادرة عرضها أحد الأفاضل لأول مرة ضمن أرشيف حاز عليه , و يظهر فيها بطل جزائري مات متكهربا بأسلاك خط موريس اللعين ,
فلقي ربه شهيدا طاهرا , وهو الذي كان موفدا في مهمة لتخطي الحدود و جلب المؤونة و الذخيرة .
***
الصورة الثانية
وهي صورة شاهدها أغلبكم , تعرض أحد الحراقة الجزائريين , وقد لفظته أمواج البحر , وهو يحاول الهرب من البلد ,
باحثا عن حياة أرغد في نظره .
***
لعلك أخي , وأنت تنظر الى الصورتين قد أصابك هذا الشعور الذي يخالجني , شعور بالأسى و الحزن , لأننا نفقد في الصورتين جزائريين ,
كلاهما يحاول الخروج من هذا البلد ,
لكن ! شتان بين الخروجين ,
لشتان ما بين اليزيدين في الندى . . . يزيد بن عمرو و الأغر بن حاتم
فهمُّ الفتى النـجدي إتلاف ماله . . . وهمُّ الفتى الأزدي جمـع الدراهم
كلا الرجلين , لقي ربه وهو يخرج من هذا الوطن , لكن الأول , غامر بروحه وهو يأمل في نصرته , و وهب جسده ليساهم في حريته ,
وينقذه من براثن المستعمر الصليبي الفرنسي , الذي أذاق البلاد و العباد شر الويلات و المصائب .
لكن أمر الله قدر أن يتكهرب بدنه المسكين , قبل أن يحقق ما صبا اليه , ولكن الله عوضه بالشهادة و الفخار , فلا يراه أحد إلا اقشعر جلده ,
و شهد له بالعزة و الشهامة , وقال من غير تردد ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا , بل أحياء عند ربهم يرزقون ) .
أما الثاني , فلا نملك إلا الدعاء له بالرحمة , فقد مات أيضا وهو يخرج من هذا الوطن , ليأوي الى وطن من مات الأول على يده ,
هاربا من الوطن الذي تكهرب جسد الأول من أجله , ,
يا لعجب المفارقة !
ولكنني لا ألوم الشاب المسكين , الذي راح ضحية سائغة , بل ألوم من كان سببا في الدفع به و بأمثاله غذاء للحيتان ,
هؤلاء الذين سرقوا الجزائر من أهلها الذين حرروها , و حكموها فملؤوها ظلما و نهبا و سرقة , فلك الله يا بلدي !
***
يخيل الي أن هذه الكلمات كافية لردع كل من خطر بباله فكرة الحرقة يوما ,
لذلك أرجوكم أن لا تخرجوا الموضوع عن سياقه بشجار أو ملاسنة , ولو اقتضى الأمر أن يغلق و يترك للمشاهدة فقط
فأنا أقبل بهذا .
شكرا لكم .