ظهور وتطور العلاقات العامة

ظهور وتطور العلاقات العامة :

إن العلاقات العامة بمفهومها الحديث لم تعرف إلا في هذا القرن ، ولكن بالنظر إلى نشاطها يتضح لنا أن جذورها عريقة ، تمتد لحضارات قديمة ، فالإنسان كائن اجتماعي لا يمكن عزله عن الآخرين ، فقد نشأت بينه وبين أفراد المجتمع علاقات مختلفة نتيجة التفاعل.

وبهذا يمكن القول بأن وظيفة العلاقات العامة وجدت مع وجود الإنسان نفسه ، وتدرجت أصولها حتى أسندت إلى شخص معين لإجادته التعبير لما لديه من قوة إقناع وتأثير في الآخرين .

فكانت العلاقات العامة عند قدماء المصريين تتجسد في اهتمام سلوك الفراعنة بالاتصال بالأهالي في مناسبات كثيرة ، واهتمت الدولة بتسجيل ووصف الأحداث الهامة في المجتمع مثل الانتصارات الحربية والبعثات التجارية وحفر الترع وإقامة الجسور وتعبيد الطرق ... وغيرها .

واهتمت الدولة بتسجيل هذه الأحداث وعرضها على الناس وكانت تهدف من وراء هذا العرض والإعلام إلى كسب تأييد الجماهير وإقناعهم بأن الحاكم حريص على مصلحتهم ويهتم بقضاياهم وأمورهم.

وكان الفراعنة يستعملون واجهات المعابد التي تشيد بالانتصارات الحربية للحكام وإنجازاتهم المختلفة ؛ هذا في وقت الحرب ، أما في وقت السلم فقد سخر الإعلام لأغراض دينية واجتماعية ، إلى جانب ذلك استعملت أوراق " البردي " في النشرات التي كان يصدرها فرعون مصر وأمراؤه لمواجهة الحوادث الطارئة التي تلحق بهم ، أو الترويج لأفكار أخرى يريدها الحكام أن تنتشر .

وعن العلاقات العامة عند بابل وآشور ؛ فكان لملوك بابل صحف تسجل فيها الحوادث اليومية وتوجه عن طريقها التعليمات ، وقد كان الملك " حمو رابي " يدعو عماله وموظفيه في الأقاليم للحضور إلى بابل في الأعياد والمناسبات ، وخاصة في عيد حصاد القمح ، ويذيع أوامره وتعليماته في كافة أنحاء المملكة .

واستخدم الآشوريون اللوحات الطينية التي تتضمن النشرات المصورة التي تروي حوادث انتصاراتهم وما فعلته جيوشهم بالأعداء، ويعرضونها في قاعاتهم وشوارعهم.






وعند اليونان والرومان فكانت العلاقات العامة بالاتصال بأفراد الشعب وتوسعوا في أنشطة العلاقات العامة نظرا لارتفاع ثقافة الشعب ، وكانوا يستخدمون العديد من الوسائل منها القصائد الشعرية ؛ مثل أشعار " هوميروس " ، والنشرات اليومية عن أعمال مجلس الإشراف ؛ لتعريف الشعب بالأحداث . ولإقناع – هذا الشعب – استخدم اليونانيون الفلاسفة والسفسطائيون بشكل كبير ؛ قصد تحقيق الإقناع . أما الرومان فرغم اهتمامهم الكبير بالجانب العسكري ، إلا أن عصرهم شهد ظهور خطباء مشهورين مثل " فريجل " .

وفي الحضارة الإسلامية ؛ نجد الإسلام اهتم بالعلاقات العامة واستخداماتها ولذلك نجد أن الدعوة الإسلامية لم تأخذ نهج الإرغام بل اعتمدت على البراهين والإقناع والحجة في نشرها ، واستخدم الرسول صلى الله عليه وسلم الاتصال الشخصي وغير الشخصي ؛ حيث كان يوفد الرسل ويبعث الكتب إلى الملوك والأمراء ويدعوهم إلى الدخول في الإسلام ، ويعد أسلوب الإقناع من أهم الوسائل الحديثة التي يقوم عليها علم العلاقات العامة ، واهتم الإسلام بعد فتح البلاد بكتابات الفقهاء في التوجيه والإرشاد .

وكانوا يرون في تلاوة القرآن أثرا قويا في رفع الروح المعنوية للمسلمين في الحرب والسلم ، وإن الدين الإسلامي دعا إلى المعاملة الحسنة و المعشر الطيب لما في ذلك من أثر في تصفية النفوس وتقريبها بعضها من بعض .

وعن القرون الوسطى لوحظ ركود في جميع الميادين ، وتردت فيها المجتمعات نتيجة الجهل والفساد كما اتصفت بالانحلال الاقتصادي والاجتماعي والفوضى ، وبعد الثورة البروتستانية التي قم بها " مارتن لوثر " وتحديه لسلطان الكنيسة الكاثوليكة ، عاد النشاط الغير مباشر للعلاقات العامة للظهور ، وما صاحب ذلك من دفاع عن المذهب الكاثوليكي (1).

أما عن العلاقات العامة الحديثة فقد كان الظهور الأول لها في محاضرة ألقاها الدكتور "رومان إيثون " في معهد "بال " عنوانها : " العلاقات العامة وواجبات المهنة القانونية " (2) .

وظهر الاصطلاح عام 1904 ، كذلك عام 1913 ؛ في المحاضرات التي ألقاها مديروا الشركات والسكك الحديدية في " بالم تور " و " أوهايو " حول السكك الحديدية و مشكلات العلاقات العامة التي تتصل بها ، إذ تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أهم بلد يساهم في


(1) فخري جاسم سلمان- عبد الرزاق إبراهيم- فضيلة صادق : العلاقات العامة كلية الإدارة والاقتصاد ، جامعة بغداد ، ب-ط ، 1981 ، ص33،34.
(2) حسن الحسن : التفاوض والعلاقات العامة ، بيروت، 1993 ، ص 157.



تطوير العلاقات العامة خاصة داخل المؤسسات الصناعية والتجارية ، ففي القرن التاسع عشر (19م) كانت هناك تطورات كبيرة في الميدان الصناعي لدرجة سيطرة رجال الأعمال في ذلك الوقت على جميع الثروات واحتقار الجماهير ، وعندما تعرضت المؤسسات لسخط الرأي العام في الصحف والمجلات ؛ حاولت شرح وجهة نظرها عبر استخدام أكفأ الصحفيين المحترفين ، غير أن أغلبهم عجزوا عن تغيير المواقف عدا شخص يدعى " إيفي لي" إذ أنه وجد الحل لهذه المشكلة ، وهو يقتضي تبني الصدق لا الدعاية الكاذبة ، وقد نشر "إيفي لي " صفحة كاملة من الإعلان مبينا فيه موقف الشركة من العمال ، ووجهة نظرها من الاضطرابات التي نشبت (1) .

كما أنشئ عام 1916 أول مكتب استشاري للعلاقات العامة ، وبعد الحرب العالمية الثانية تطورت العلاقات العامة وازدادت أهميتها بصورة ملحوظة فباتت تلعب دورا كبيرا في المجتمعات ، مما أدى إلى تقدم أساليبها وتدعيمها كعلم وفن ونشاط (2) . ففي عام 1949؛ أصبح لدى أربعة آلاف (4000) مؤسسة أقساما أو برامج للعلاقات العامة ، بالإضافة إلى خمس مائة (500) شركة علاقات عامة تجارية (3) .

ونمت العلاقات العامة في الدول الأوروبية فأسس عام 1950 أول ناد انضم إليه أخصائيون وخبراء في العلاقات العامة ، سمي بـ " بيت الزجاج " ، وفي عام 1952 تأسست الجمعية المهنية للعلاقات العامة ، وفي عام 1958 عقد مؤتمر عالمي حول العلاقات العامة في العاصمة البلجيكية " بروكسل " وتألفت اللجنة الأوروبية للعلاقات العامة (4) .

ثم بدأ انتقال نشاط العلاقات العامة إلى الدول العربية ، إذ عرفت مصر – وهي أول دولة عربية – هذا النشاط ، إذ أنشئ عام 1953 في وزارة الإرشاد القومي قسم للعلاقات العامة (5) . ثم انتقل هذا النشاط لباقي الدول العربية رغم أن بعضها مازالت قاصرة جدا في هذا المجال .

ومما لا شك فيه أن عملية التوعية هذه التي تتجسد في نشاط العلاقات العامة عبر مراحل تطورها ليست سهلة وبسيطة كما قد يتبادر إلى الأذهان ، فهي تحتاج إلى جهد ووقت وتقوم على مقاييس مختلفة وعلى أسس خاصة تعي أهداف الجهاز وأهداف المجتمع الذي تنتمي إليه .

(1) أحمد سيد أحمد غريب : العلاقات العامة في الاتصال المعاصر ، القاهرة ، 1981 ، ص 38 .
(2) فخري جاسم سلمان وآخرون : مرجع سابق ، ص 40 .
(3) أحمد سيد أحمد غريب : مرجع سابق ، ص 40.
(4) حسن الحسن : مرجع سابق ، ص 158 .
(5) عبد السلام أبو قحف : هندسة الإعلان والعلاقات العامة وتطبيقاتها ، جامعة بيروت ، 2000 ، ص349 .