اليابان

اليقين بان التجربة
اليابانية حققت نتائج كبيرة في الأسواق الدولية الأساسية
مما سمح بالحديث عن التفوق الياباني. وعند معرفة ظروف
اليابان بعد دمار الحرب الرهيب وخصائص اليابان من حيث
السكان والمساحة الجغرافية والموارد الطبيعية ، وما حققته
خلال ثلاثة عقود بعد الحرب فإننا نكون اكثر قبولا للحديث
عما يشبه المعجزة في اليابان.فاليابان جزيرة مكتظة بالسكان
ذات مساحة اصغر من مساحة كالفورنيا وتستورد من
استهلاكها ) 100 %( من الالمنيوم ،و) 98 %( من النفط، و) 4،98
% ( من الحديد ) 66.4 % ( من الخشب ) 1(.
كما أنها كانت في حالة دمار شامل بعد هزيمة الحرب
العالمية الثانية لتتمكن في خلال ) 3 4( عقود فقط من تكوين
قوة صناعية والمسجلة لأعلى المعدلات الإنتاجية في العالم.ولكي
ندرك أبعاد هذا التفوق نشير الى أن اليابان تقف الآن على قمة
المنافسة على مستوى العالم…و الكثير يتحدث اليوم عن
قصة الهجوم الياباني على الأسواق العالمية ليصبح التعلم من
اليابانيين في حد ذاته صناعة تنمو بشكل مطرد وواضح.
ويجب التأكد على أن هذا التفوق الياباني في الأسواق
الاقتصادية الدولية تزامن مع تفوق أخر في النتائج الأخلاقية
والاجتماعية بالمقارنة مع نظيراتها في الدول المتقدمة الأخرى.
ولعل أهم درس قدمته اليابان لعالمنا المعاصر هو تعدد النماذج في
التطور الاقتصادي فلم يعد النموذج الغربي والأمريكي بشكل
خاص هو النموذج المنتصر في الحرب والمتفوق في الاقتصاد،
بل هناك جانب النظام التمييز الذي يوافق ما بين التقاليد
ملخص
منذ السبعينات ، أصبح اليابان في المركز الثاني عالميا اقتصاديا خلف الولايات المتحدة الأمريكية .حيث استيقظ اليابان من الدمار
الرهيب الذي أتى به أثناء الحرب العالمية الثانية ،وهذا بفضل فحوى النتائج الأخلاقية والاجتماعية المتمثلة في الانضباط الذاتي والروح
الوطنية التي يتميز بها العامل الياباني وتطبيق الجودة الشاملة،وتجسيد الثورة التكنولوجية على مستوى جميع الميادين ، وبذلك أصبح
اليابان قوة عظمى من ضمن ثمانية الدول الكبرى في العالم .وهذا يؤدي بنا الى طرح التساؤلات التالية :كيف وصل اليابان الى هذه
المكانة ؟ ما هي العوامل التي استعملها للوصول الى درجة المستوى العالمي ؟ وما هي أسرار هذه العظمة ؟
الكلمات الدالة: التجربة اليابانية، استراتيجية الادارة، الانضباط، العمل
152 - 140
الأكاديمية للدراسات الإجتماعية والإنسانية. 5 - 2011 ص 141
اليابانية و المفاهيم الغربية الحديثة ،وبالتالي في كل العناصر
الناعمة ومن ضمنها الأخلاقيات .ولعل درس اليابان هذا لم
يثر الاهتمام بالتفوق المادي الياباني بقدر ما أثار الاهتمام
بالتفوق في العوامل المعنوية.وهذه العوامل بالتأكيد يمكن
الاستفادة منها وإظهار قدر الإمكان عوامل نجاح المؤسسات
اليابانية ،و محاولة استخلاص أهم النقاط الإيجابية التي
يمكن أن تكون عاملا إيجابيا يساهم في تكييف المؤسسات العامة
الوطنية الجزائرية في عهدها الجديد على أثر التغيرات التي
فرضتها الظروف الاقتصادية الحالية.ولكن لا يمكن نقلها
واستنساخها، والاستفادة منها تكون بإذكائها وتوجيهها في
ظروف البلد وليس بالخضوع لها.مما يدفع بنا الى التساؤل
التالي ، أين تكمن ذخيرة قوة نجاح اليابان؟
على هذا الأساس ارتأينا الى تقسيم هذا البحث الى ثلاثة
محاور، المحور الأول يتعلق بنظرة موجزة عن اليابان من
حيث الموقع , السكان , الأرض والمناخ كذلك تاريخ اليابان
الحديث ، ثم ما هي أسرار تقدم اليابان؟. والمحور الثاني
يحتوي على أسس السلطة الإدارية اليابانية، أي ما هي
فلسفة التحدي وخصائص الإدارة اليابانية؟ ما هو مفهوم رمز
الوطنية وقاعدة الانحياز للوطن؟. وما هي أهداف الوطنية
في اليابان؟ أما المحور الثالث يتعلق بكيف يتجسد الانضباط
الذاتي بالمؤسسة اليابانية؟ يحتوي على مبدأ الوطنية وفلسفة
الإدارة اليابانية وأخلاقيات المهنة ثم الخلاصة.
) 2( المحور الأول نظرة موجزة عن اليابان
إنه لمن المحير أنه يزداد نسبة جهلك باليابانيين كما اقتربت إليهم
وحاولت أن تكشف المجهول فيهم, لكن الذي لا يقبل الشك فيه,
هو أن هذا الإنسان الياباني مسير على سلوك شبه موحد، وفي
كل شيء تقريباً, فلهم إيماءات وإشارات كثيرة لا يفهموها إلا
فيما بينهم, ساعدتهم على احترام بعضهم للآخر , دون حدوث أي
إزعاج داخل خليتهم الاجتماعية . إن هذه البوتقة المتناغمة تتم
تحت هذه الكثافة السكانية العالية , وعلى هذه البقعة الصغيرة
من الأرض, وتحت هذا الارتفاع الفاحش في التكلفة المعيشية
وقلة الموارد الطبيعية . يا لهم من شعب.
أولا : الموقع ، السكان ، الأرض والمناخ
اليابان مكون من عدة جزر ) 4000 ( جزيرة على شكل أرخبيل
طوله 3000 كم أربعة منها رئيسية ) هونشو – شيكوكو –
كيوشو – هوكايدو ( وجزر اليابان مقسمة إدارياً من قبل
الحكومة على 43 ولاية وأربعة بلديات , مساحتها الإجمالية
881,369 كيلو متر مربع .
السكان
ويبلغ إجمالي تعداد سكان اليابان حوالي 130 مليون نسمة ,
وهي بذلك تعتبر سابع دولة أكثر تعداداً بالسكان عاصمتها
طوكيو. ويشكل اليابانيون حوالي 99,4 % من السكان ,
والكوريون 0,5 % وما تبقى وقدرة 0,1 % فهم من الجنسيات
المختلفة. ويعيش أكثر من 79 % من السكان في المدن الكبرى,
والباقي في القرى والأرياف. يعمل 35 % من السكان في الصناعة
, بينما يعمل 27 % منهم في الزراعة , وهناك ما يقرب من 700
ألف صياد يعملون في مهنة صيد الأسماك . أما باقي السكان
فيعملون في التجارة والمهن الحرة وكموظفين في الدوائر
الحكومية للدولة والمؤسسات الخاصة .
الأراضي
تشكل 75 % من أراضي اليابان عبارة عن جبال بركانية
خضراء تتخللها الأنهر المائية. أما الباقي القليل فيستخدم
للزراعة والسكن والطرقات , مما أدى إلى ارتفاع في أسعار
الأراضي والإيجارات, كذلك إلى إرتفاع أسعار السلع
الاستهلاكية والأيدي العاملة لذلك تعتبر اليابان من أغلى
بلاد الدنيا وأصعبها معيشة.
المناخ
من جهة أخرى تتميز اليابان باعتدال ووضوح فصولها الأربعة
, وجمال الطبيعة التي تعدد أنواع زهورها وأشجارها وأعشابها
, مما ساعد على خلق حس الابتكار وجمال الإبداع الثقافي
والصناعي لدى الإنسان الياباني, ناهيك عن إعجاب وتعلق قلب
كم من زارها من الخارج .
ثانيا : تاريخ اليابان الحديث
عاشت اليابان في أواسط القرن السادس الميلادي قبل
حوالي 250 سنة, فترة من العزلة, أغلقت فيها اليابان جميع
حدودها مع العالم الخارجي, وذلك خوفاً من تغلل المتنصرين
فيها وانتشار المسيحية ثم الاستعمار ) كما حدث في دول
جنوب أمريكا اللاتينية (. وقد أستثني من ذلك بعض التجار
الهولنديين حيث سمح لهم بالاتجار في جزيرة ديجيما الصغيرة
الواقعة في خليج ناجازاكي, كما أستثني بعض الصينيين
الذين يقطنون جزيرة ناجازاكي, وبعض المبعوثين الملكيين
الذين يأتون بين الحين والآخر من أسرة ))لي (( الحاكمة في
كوريا .
وفي عام 1853 أجبر الكمودور الأمريكي ))ماثيو بري(( اليابان
على فك حدودها, عن طريق محاصرتها بأربع سفن حربية ,
وقعت على أثرها اليابان معاهدة صداقة مع أمريكا وتبع ذلك
إبرام معاهدات صداقة مع كل من روسيا وبريطانيا وهولندا
في نفس العام, ومع فرنسا في العام الرابع. وتبع ذلك بقليل نوع
من الاضطرابات والحروب الداخلية دامت عشرة سنوات, بسبب
معارضة الانفتاح على الخارج , ورغبة الإقطاعيين في تقوية
حكومتهم )حكومة توكوجاوا العسكرية (, إلى أن أنتهي
152 - 140
142 الأكاديمية للدراسات الإجتماعية والإنسانية. 5 - 2011 ص
الأمر بانهيار حكومة توكوجاوا هذه , وإعادة السيادة الكاملة
للإمبراطور )مجي( في عام 1868 م.
ثالثا : أسرار تقدم اليابان
عصر ) مجي : 1868 م – 1912 م ( : يعتبر المؤرخون أن تاريخ
اليابان المعاصر يبدأ بعصر ) ميجي ( وهو العهد الذي يلي فترة
) الشوجن ( أو النظام الإقطاعي للساموراي , حيث وضعت فيه
الأسس الحقيقية لنهضة اليابان المعاصرة في جميع المجالات,
وفي هذا العصر, انتقلت العاصمة اليابانية من كيوتو إلى
طوكيو, كما ألغي فيه النظام الطبقي, وانصرفت الدولة
كلياً إلى دراسة الحضارة الغربية وتبنيها.
وقد يلي عصر ميجي ثلاثة عصور:عصر) تايشو ( 1912 م
وعصر ) شووا ( 1926 م , وعهد الإمبراطور الحالي المسمى
بعصر) هيسي ( 1989 م .
تخللت هذه الفترة تورط اليابان في حروب مدمرة مع الصين
وروسيا وكوريا , ثم جاءت الحرب العالمية الأولى فالثانية
والتي انتهت باستسلام اليابان في عام 1945 م , بعد واقعة قنبلة
هيروشيما وناجازاكي الذرية. أصبحت اليابان من بعدها دولة
صناعية مسالمة.
الكثير قد تحدث عن اليابان وكتب عن أسرار تقدمها وقد
وجدنا أن أغلبها يتفق حول المحاور التالية نلخصها فيما يلي:
أن الإنسان الياباني تمكن من نقل ما لدى الغرب من علوم
مختلفة ونجح في تقليدها وتطبيقها بل من ثم أبدع في
تطويرها إلى الأحسن.
2( -أن الياباني تعتبر الراحة والنوم شيء معيب , لذلك تجده في
غاية الجد والنشاط وقت عمله،وتجد أن إجازته السنوية شبه
معدومة, بالإضافة إلى عدم وجود سن للتقاعد بالنسبة له.
3( -أن الياباني يجيد الادخار فهو شعب يدخر من 20 % إلى
40 % من دخله .
4( -أن اليابان يتقن ما يصنع ويقوم به, فيده ماهرة إلى أبعد
الحدود.
5( - أن الياباني لديه شعور بالرقابة الذاتية فلا يحتال أو
يتخاذل لأجل توفير بعض المادة أو الوقت.
6( -العمل الجماعي وعدم الظهور أو التسلق على الآخرين.
لقد أشار ياماشيما HAJIMI YAMACHIMA( « ( من جامعة
كيوتو وهو أحد أشهر الأخصائيين اليابانيين في الإدارة
والتسيير-) Management ( عندما سئل عن سر نجاح التجربة
أو المعجزة اليابانية فأجاب : أن الاعتقاد السائد هو ان اليابانيين
يعملون أكثر ولكنهم في الحقيقة يعملون أفضل ،أنهم كغيرهم
يعملون 43 ساعة في الأسبوع أي 2000 ساعة في العام بينما يعمل
الكوريون 3000 ساعة في العام اي بزيادة الثلث، ليست هناك
معجزات وخوارق، ان العامل في اليابان يتفوق في تأهيله الثقافي
والمهني على زميله في أوربا الغربية والويلات المتحدة للأمريكية ،إن
الجامعة والمدرسة هما قوتنا الضاربة وأما الذخيرة فهي الانضباط
الذاتي. فلا حاجة لتعيين جيش من المراقبين والمفتشين يقضي
نصفهم أوقاتهم في حراسة النصف الآخر) 3( .
من أسرار النجاح للدول المتحضرة والمتقدمة، راجع الى
التزامهم بسلوك الانضباط الذاتي، هذا سواء كان على مستوى
الفرد، والجماعة، والمؤسسة، والمجتمع بأكمله.
) 4(: جدول المقارنة بين ساعات وأيام العمل والراحة والإضرابات
البلد أيام العمل أيام الراحة أيام الإضراب
اليابا ن 900 1 0 2 03
الولايات
.م.الأمريكية 1950 8 1 3 4
فرنسا 1530 5 3 30
) 5(: سر نجاح اليابان
يكمن سر نجاح اليابان في عدة عوامل :
طبيعة الفرد الياباني ، تقديس العلم والعمل.
التخطيط: تخطيط الدولة بمعية المؤسسات الاقتصادية
الكبرى كل سياسة في خدمة القوة الصناعية،
التوجيه والمساعدات : تقدم الدولة توجيهات ومساعدات
للاستثمار داخل وخارج البلاد،
الإشهار : إنتاج النوعية الجديدة وترويجها للسيطرة على
الأسواق ،
قوة الاستثمارات في الخارج : إقامة مصانع في كل أرجاء
العالم وتجنب الحواجز الجمركية.
المحور الثاني: أسس السلطة الإدارية اليابانية
إن نظرة متعمقة للتجربة اليابانية تكشف عن حقيقة
أن الثقافة اليابانية بإرثها التاريخي وتجربتها المعاصرة
كان لها الدور الكبير فيما تحقق فيها.و قد تكون من
د. تقية محمد المهدي حسان
152 - 140
الأكاديمية للدراسات الإجتماعية والإنسانية. 5 - 2011 ص 143
من أسرار نجاح التجربة اليابانية
بين أهم مقومات اليابانية قدوة الفرد الياباني في سلوكه
و تصرفه و محاسبته لنفسه قبل أن يحاسبه غيره، نابع
من ضميره ومن مجتمعه ومن حضارته وثقافته وتربيته،
لذلك كل فرد فيها يعرف دوره في الحياة و يؤديه بحماس
وإيمان لا ينتظر من أي جهاز سواء أكان داخل العمل أو
خارجه أن يكون عليه رقيبا أو حسيبا.. أي أن كل فرد
يعمل في إطار الانضباط الذاتي ، ولتعرف على أهمية
هذا السلوك الحضاري الأخير، فما هي الأسس التي تعتمد
عليها سياسة السلطة الإدارية اليابانية لتحقيق الانضباط
الذاتي للأفراد؟
اولا : فلسفة التحدي وخصائص الإدارة اليابانية
أ( فلسفة التحدي اليابانية :
إن سر تفوق نجاح اليابانيين يكمن في فلسفة التحدي
..فلسفة الإصرار والصبر والمثابرة ..شعب ذات فلسفة
حضارية عميقة الجذور، ساعدت المجتمع الياباني على
تشكيل وصنع الإنسان الياباني ليتحكم في ذاته من أجل
بلاده ،وهي فلسفة إنسانية قائمة على) 6(:
1( التوارث من ميراث حضاري عميق ممتد آلاف
السنين يصنع منه سياج أخلاقي من القيم والمبادئ والمثل
العليا التي تدفع إلى الولاء والانتماء والإخلاص الكامل
والوفاء العظيم والطاعة المطلقة والمشاركة المخلصة
والتفاني في أداء الواجب.
2( تحويل الدين والعقائد لديها إلى سلوك مقدس
قائم على ضمير قوي مرتبط بوجود الإنسان ذاته وبروحه
التي لن تعرف الراحة والهدوء أو السلام إلا إذا تطهرت من
الشرور الخمس ) الجشع ،والطمع، والتسلط،والحسد
والشهوانية( أي تطهر النفس من هذه الخبائث وجعلت
هذا السلوك المستقيم طريقا لخدمة الوطن والأمة.
3( التمسك المرن بالتقاليد والعادات القائمة على
التواصل والارتباط القاعدي المتماسك بالأصول العضوية
كالأسرة والعشيرة والجيران والحي، ومجتمع العمل
والرفاق والزملاء وبعلاقات يملؤها الحب والفخر والتوارث
التاريخي..
4( تطلع دائم نحو المجهول المستقبلي باعتباره صديق،
فالغد والمستقبل والزمن والوقت أهم أدوات صناعة الذات،
وصناعة الذات هي فن استثمار الإطارات البشرية..
استثمار الإنسان والارتقاء به..و تفعله..وتطويره.
5( الجمع والمزج بين زعامة القائد الرمز ، وبين
الفصائل المطيعة ما بين المدير والعاملين معه
كشركاء، وليس كأجراء أو عبيد، مابين جيل متقدم
في السن لديه الحكمة والخبرة وما بين أجيال لديها الأمل
والتطلع والقدرة والدافع على صنع غد أفضل.
6( المحافظة على التوازن الاجتماعي وترقية الحراك
الاجتماعي ، يجعل العمل هو المصدر الرئيسي
لتحقيق الثروة والمكانة في المجتمع، وأن العمل المشروع
هو السبيل الوحيد للعمل وأن ما عداه لا يشكل عملا بل هو
أمر خارج عن كل شيء يستوجب التطهير والتغيير .
7( أهمية الوقت : فالوقت هو أغلى الأصول على
الإطلاق، وهو أصل لا يمكن الاستغناء عنه يحتاج إلي
إدارة علمية واعية رشيدة مدركة لأهمية التقدم.
ويقول بيتر دراكر ) Peter Drucker ( ان «مصلحي
اليابان أقاموا منذ مائة عام مضت عن وعي بالثقافة
الجديدة المصطبغة بالسلوك الغربي الجديد على قيم
يابانية تقليدية وثقافة يابانية تقليدية، فالشركة
والجامعة اليابانية الحديثة غربية تماما من حيث
شكلها ، ولكنها استخدمت كحاويات إن جاز التعبير
للثقافة اليابانية التقليدية غير الغربية 7( » (.
ب(عناصر او خصائص إستراتيجية الإدارة اليابانية :
تعاني اليابان كما ذكرنا من ندرة مواردها الطبيعية
وانخفاض المساحة الجغرافية الصالحة للزراعة ، وانتشار
الظواهر الطبيعية المدمرة مثل الزلازل والبراكين.
وللتغلب على هذه الظروف الطبيعية القاسية ، حاولت
اليابان تطبيق استراتيجيات عديدة مثل الانعزال ن العالم،
ثم انتقلت الى محاولة تعويض النقص في الموارد الطبيعية
عن طريق استعمار الدول المحيطة مثل فرمز ومنشوريا
قوة الإستثمارات
في الخارج
تقديس العلم
والعمل
سر نجاح اليابان تخطيط الدولة
مساعدات الدولة
للإستثمار
إنتاج النوعية
الجديدة وترويجها
الشكل رقم ) 1( :
يمثل سر نجاح اليابان
152 - 140
144 الأكاديمية للدراسات الإجتماعية والإنسانية. 5 - 2011 ص
وكوريا والصين ، ولكن هذه الإستراتيجية لم توجد لها
حلا على العكس جلبت اليها الدمار في الحرب العالمية
الثانية بسبب اصطدامها بمصالح الدول الاستعمارية
الأخرى .وبذلك لم يعد أمام اليابان سوى التركيز على
الاستغلال الأمثل لموردها الوحيد وهو الثروة البشرية
التي تزيد عن 125 مليون نسمة ، وبدأت بالفعل بعد
الحرب العالمية الثانية في توجيه فلسفتها نحو كيفية
استخدام ثروتها البشرية بالطريقة التي تساعدها على
تحقيق ثورات تمكنها من توفير حياة كريمة للسكان
وتوفير احتياجات التصنيع من الموارد المادية والمالية .ولم
ترتكز الإستراتيجية الإدارة اليابانية على خلق وتطبيق
أساليب إدارية سرية، بل ركزت على اختيار وتطبيق
مزيج من السياسات والأساليب الإدارية المعروفة، والذي
يتفق مع حضارة وثقافة وبيئة اليابان.ومن أهم عناصر
نمو خصائص هذه الإستراتيجية التي تتبعها الشركات
اليابانية وخاصة الشركات الكبرى ذات التأثير الجوهري
على الاقتصاد القومي ما يلي :
1 الإجماع والمشاركة الجماعية في صنع القرار.
2 التركيز على عمل الفريق والمسؤولية الجماعية.
3 نمط الاتصالات المفتوح.
4 التعليم والتدريب الدائم.
5 ضمان الوظيفة مدى الحياة .
6 مشاركة الجميع في تحمل المخاطر 8(» (.
ثانيا: رمز الوطنية :
يلاحظ أن الرموز التي تستخدمها اليابان تتخذ جانبين
هما:
- الجانب الأول: العلم القومي:
حيث تتوسط الشمس المشرقة…شمس الفجر…
والتي تعطى انطباعا أن كل شيء شديد الوضوح وأن على
الجميع أن ينهض يستيقظ وينبعث بكامل الهمة والنشاط
والمشاركة.. فاليوم الجديد هو فرصة جيدة سائحة لإثبات
الذات ولتأكيد الجدارة بالحياة.
- الجانب الثاني : الزعيم :
فالإمبراطور الياباني هو ابن الشمس، وكان يعد من
الآلهة، فلما سقطت اليابان ضحية الهزيمة العسكرية بعد
ضرب هيروشيما و ناجازاكي بالقنابل الذرية واحتلال
الولايات المتحدة الأمريكية لها، أجبر الإمبراطور على
التخلي عن صفته الإلهية وأعلن أنه مواطن عادي...إلا
أن الاحترام والتقدير الشديد له من جانب اليابانيين ظل
كما هو، باعتباره رمزا لكل شيء عزيز لديهم ، باعتباره
رمزا تلتف حوله اليابان، باعتباره محورا للعزة والكرامة،
باعتباره أداة منع ورفض الهزيمة…
ولقد نجح هذا الرمز في امتصاص التأثيرات السلبية
لسنوات ما بعد الحرب وتحويل العقلية العسكرية اليابانية
من عقلية الحرب والدمار إلى عقلية التنمية والأعمار،
وإلى عقلية اقتصادية. تجارية تغزو العالم بمنتجاتها
وسلعها وخدمتها وليس بجيوشها وبوارجها وطائراتها
الحربية 9(» (.
ثالثا : قاعدة الانحياز للوطن .
إن انتماء المواطن لبلده في اليابان والإثارة ومصلحة
الجماعة ومصلحة الوطن كانتا وسيظلان الركيزة
الأساسية في التقدم المذهل الذي حققته هذه الدولة
،فالأولوية الأولى للوطن ،فالمواطن في هذه الدولة يشعر
بأن حسن أدائه لعمله أيا كان هذا العمل وأن إنجازه
على أكمل صورة وفي أحسن حال، إنما هو إنجاز من أجل
الوطن ومساهمة منه في تقدمه ورفعته . وأن مستقبل
التوطن بكماله مرهون على هذه المساهمة، ومن ثم
الإخلاص الكامل للوطن والانحياز الكامل له.
إن الغذاء الرئيسي في هذه الدولة هو الانتماء لقوميتها
والانحياز الكامل لكل ما يتصل بالوطن، فهو ذخيرتها
الرئيسية التي تنفق منها على تطورها ، ويقوم الانحياز
للوطن على عدة مقومات رئيسية هي ) 10 (:
المقوم الأول : غرس الولاء … داخل النفس البشرية
للمواطن في كافة مراحل عمره، وبصفة خاصة أثناء
مراحل التعليم والتدريب المختلفة فالطفل الصغير يتم
تربيته وتنشئته على الولاء للوطن وللمجتمع، ثم عندما
يكبر وينخرط في عمل من الأعمال يتم إحاطته بنجاح
إيجابي قائم على احترام العمل واحترام الأكبر سنا
والأقدم في والأقدم في الوظيفة ومن ثم تعويد الفرد على
انه جزء من الجماعة …وانه داخل أسرة متداخلة تبدأ من
أسرته العائلية الى أسرته في المصنع ، الى أسرته في المجتمع
الى أسرته في الدولة ككل ، ومن ثم الولاء الكامل والطاعة
الكاملة.
المقوم الثاني : تعميق الانتماء للوطن …وبالتالي
الحرص على ما يتصل به من قريب او من بعيد ليكون ي
أفضل صورة وفي أحسن حال وفي أفضل وجه من الوجوه،
وان تكون الانطباعات المتولدة عنه إيجابية في عيون الجميع
وفي كافة بلاد العالم.
د. تقية محمد المهدي حسان
152 - 140
الأكاديمية للدراسات الإجتماعية والإنسانية. 5 - 2011 ص 145
المقوم الثالث: احترام الغير .. وعدم السخرية منهم،
حتى لا يقوم أي منهم بالسخرية من الوطن بل جعل
الطابع العام للسلوك هو المغالاة في احترام وتبجيل الغير.
المقوم الرابع: التقدير للأكبر … سنا وللأكبر
مقاما وللأكثر ذكاء والأعلى قدرة والأكثر مهارة،
وفتح المجال أمامه من أجل الوطن .»
وفي إطار هذه القاعدة الأساسية يزداد حب الأفراد
لوطنهم وترتفع معنوياتهم ، ويرتقي استعدادهم للبذل
والعطاء الكامل.
رابعا : أهداف الوطنية في اليابان
إن رمز الوطنية عميق ومتغلغل في وجدان وفكر
الأفراد اليابانيين بالشكل الذي حققوا من خلاله جملة
أهداف رئيسية هي :
1( توحيد الأمة وإزالة العصبيات العنصرية وتحقيق
وحدة الأمة بكافة طبقاتها وفئاتها وأجيالها..
2( تعميق الولاء والانتماء الشديد للوطن بالشكل الذي
ينعكس إيجابيا على قدرة الفرد والمشروع على تحقيق
الإنجاز المتماسك..
3( زيادة الانتماء إلى المجموع..فالفردية تذوب في إطار
الجماعة، ويصبح العمل الجماعي هو المنطق القاعدي
والأساسي لرفع الإنتاج والإنتاجية.
4( تدعيم الأمان المستقبلي وإزالة عنصر القلق والخوف
من المستقبل..وذلك بتأكيد مبدأ العمل مدى الحياة.
5( تحفز الإبداع الفردي والتنفيذ الجماعي، أي الفرد
من أجل الجماعة والجماعة من أجل الفرد.
كل هذا يساعد على تحقيق مزيد من التعاون والمشاركة
والفعالية التي تضمن للمجتمع جميعا الانخراط في نظام
متكامل وفعال 11(» (.
المحور الثالث: كيف يتجسد الانضباط الذاتي للأفراد
بالمؤسسة اليابانية ؟
إذا كانت الروح الوطنية مجسدة في المجتمع الياباني
عن طريق توحيد الأمة والانتماء الشديد للوطن فإن
هذا السلوك يعكس بدوره داخل المؤسسة اليابانية و أن
هذه الأخيرة تهتم بدورها بالإنسان الياباني وهو كذلك
يلتزم بالسلوك الحضاري من أجل تحقيق أهداف المجتمع
والمؤسسة وأهدافه كذلك.
أولا : مبدأ الوطنية
وضع رمز الوطنية في كل موقع وفي كل مكان وداخل
كل شركة وكل مؤسسة ، بل وداخل كل نفس بشرية،
يتم زرعه ورعايته وتعهده بالحماية والوقاية والرعاية
الكاملة التي تضمن وتصون قدسية رمز الوطنية ، وتضمن
أيضا التأثير والتفعيل كما يجب أن يكون.
دائما في شركة Matsushita تقوم بنوعين من
التدريب ، الأول هو التدريب على المهارات، والثاني هو الأهم،
التدريب على التمسك بالقيم التي تؤمن بها الشركة ،
كما انها تخصص ) 10 ( دقائق كل شهرين للتحدث عن
القيم ) 13 (.
ومن أجل تحقيق الانضباط الذاتي للأفراد تقوم
المؤسسة اليابانية بتوفر الجو والظروف من خلال
العوامل التالية ) 14 (:
1 تحقيق رضاء العاملين… عن المشروع وعن سياساته
المختلفة ،لإدراكهم أنهم الهدف الحقيقي من وراء هذه
السياسات وأن عائدها والمردود سوف يعود إليهم سواء
بشكل مباشر أو غير مباشر.
2 تحويل العاملين من مجرد أجراء يتقاضون أجرا
إلى شركاء يحصلون على عائدا وربحا بامتلاك أسهم في
الشركة، وكذا بمشاركة أصحاب رؤوس الموال للربح
والعائد المتحقق ومن ثم يصبح العاملين عنصر متكامل من
عناصر المشروع، وإنهم العنصر الفاعل الرئيسي في المشروع
الذي يقوم عليه تطور واستمرار وارتقاء المشروع.
3 تحقيق الاستقرار المتنامي للمشروع…حيث لا يخرج
من المشروع إلا من فقد حياته أو فقد صلاحيته للعمل،
وأن قيام الفرد بتقديم استقالته من الشركة التي يعمل
نموذج من النشيد لمؤسسة يابانية ) )Matsushita ) (12
من أجل بناء يابان جديدة
نوحد قوتنا و وأرواحنا
لنجعل كل ما في وسعنا برفع الإنتاج
لنبيع إنتاجنا الى شعوب العالم
....................................
وفي الأخير ينتهي النشيد بتعجب :
اعتقد ، صناعة، اعتقد، اعتقد ، اعتقدد !
انسجام و إخلاص !
! Electric Matsushita
من أسرار نجاح التجربة اليابانية
152 - 140
146 الأكاديمية للدراسات الإجتماعية والإنسانية. 5 - 2011 ص
بها هي بمثابة خيانة عظمى للوطن وللمشروع وللزملاء
في الوقت ذاته.
4 ترسيخ مبدأ التعاون ما بين الجميع… ليصبح
الكل في واحد ، وواحد في الكل والجميع من أجل تحقيق
الهدف، من أجل تحقيق وصنع مستقبل فعال للمشروع
وللوطن من خلاله.
5 تحقيق كثافة الإبداع والابتكار …. من خلال
التحسين المستمر في أساليب الإنتاج ونمط الإدارة
)تخطيط، تنظيم،، توجيه، تنفيذ، تحفز، متابعة،
اتصالات( وبشكل يؤدي إلى القضاء على كافة الفاقد، المهدر
،غير المستغل، الضائع من الوقت والجهد والتكلفة ..أي رفع
إنتاجية عناصر الإنتاج الى أقصى أعلى معدل لها.
6 تحقيق التنوع شديد الاتساع …. من أجل الوصول
إلى أقصى معدل لإشباع احتياجات ورغبات العملاء
والمستهلكين والتوافق مع عاداتهم وأنماط الشرائية
وأساليبهم في الإشباع، أمر يحتاج إلى دراسات تسويقية
علمية مستفيضة للوصول إلى هذا الكم الكبير من أنواع
المنتجات ) سلع/خدمات/ أفكار( التي ترضي كافة الأذواق
وتشبع كافة الاحتياجات في الأسواق الدولية المختلفة.
7 تحقيق التبني والتأييد المطلق… للسياسات
والإجراءات والخطوات والقرارات التي تأخذها إدارة المشروع
من جانب الجماهير المحيطة بالمشروع، سواء جمهور
العاملين ) داخل المشروع( أو من جانب جمهور المتعاملين
والمهتمين) خارج المشروع(.
ثانيا : فلسفة الإدارة اليابانية) 15 (:
1( الوظيفة مدى الحياة : إذا كان أهم خاصية تتميز
بها المؤسسة اليابانية هي توظيف العاملين مدى الحياة
، فإنه ليس من الإجراءات العامة المعمول بها في بعض
المؤسسات باليابان .
2( عدم التخصص في المهنة: تفضل المؤسسات اليابانية
عدم التخصص الدقيق في المهنة ، فالموظف والعامل
يمارس أكثر من مهنة وينتقل من قسم الى آخر، وذلك
للاستفادة به في خدمة جميع أقسام المنظمة التي يعمل
بها . وهذا التنقل من قسم لآخر يكسب العامل تجربة
ثرية ، الأمر الذي يجعله معدا للترقية .
3( التقييم والترقية البطيئة: لا تتم الترقية في معظم
المنظمات باليابان خلال كل عشر سنوات ، وهذا الإجراء
يطبق على جميع العاملين بالمؤسسة .
4( الانضباط الذاتي : يعمل الموظف والعامل من تلقاء
نفسه وبدون توجيه أو مراقبة من رئيسه، وهو أقل نسبة
غياب عن عمله ، وهو يقوم عادة بعمل إضافي تطوعي
بدون أجر .أصبح إحسان

شكرا andreastarekiniesta