غزوة أحد
تعقيب القرآن على غزوة أحد من معركة الجدل والمناظرة والبيان والتنوير والتوجيه والتحذير فيما سبق من السورة ينتقل السياق إلى المعركة في الميدان معركة أحد وغزوة أحد لم تكن معركة في الميدان وحده ; إنما كانت معركة كذلك في الضمير كانت معركة ميدانها أوسع الميادين لأن ميدان القتال فيها لم يكن إلا جانبا واحدا من ميدانها الهائل الذي دارت فيه ميدان النفس البشرية وتصوراتها ومشاعرها وأطماعها وشهواتها ودوافعها وكوابحها على العموم وكان القرآن هناك يعالج هذه النفس بألطف وأعمق وبأفعل وأشمل ما يعالج المحاربون أقرانهم في النزال وكان النصر أولا وكانت الهزيمة ثانيا وكان الانتصار الكبير فيها بعد النصر والهزيمة انتصار المعرفة الواضحة والرؤية المستنيرة للحقائق التي جلاها القرآن ; واستقرار المشاعر على هذه الحقائق استقرار اليقين وتمحيص النفوس وتمييز الصفوف وانطلاق الجماعة المسلمة بعد ذلك متحررة من كثير من غبش التصور وتميع القيم وتأرجح المشاعر في الصف المسلم وذلك بتميز المنافقين في الصف إلى حد كبير ووضوح سمات النفاق وسمات الصدق في القول والفعل وفي الشعور والسلوك ووضوح تكاليف الإيمان وتكاليف الدعوة إليه والحركة به ومقتضيات ذلك كله من الاستعداد بالمعرفة والاستعداد بالتجرد والاستعداد بالتنظيم والتزام الطاعة والاتباع بعد هذا كله والتوكل على الله وحده في كل خطوة من خطوات الطريق ورد الأمر إلى الله وحده في النصر والهزيمة وفي الموت والحياة وفي كل أمر وفي كل اتجاه وكانت هذه الحصيلة الضخمة التي استقرت في الجماعة المسلمة من وراء الأحداث ومن وراء التوجيهات القرآنية بعد الأحداث أكبر وأخطر بما لا يقاس من حصيلة النصر والغنيمة لو عاد المسلمون من الغزوة بالنصر والغنيمة وقد كانت الجماعة المسلمة إذ ذاك أحوج ما تكون لهذه الحصيلة الضخمة كانت أحوج إليها ألف مرة من حصيلة النصر والغنيمة وكان الرصيد الباقي منها للأمة المسلمة في كل جيل أهم وأبقى كذلك من حصيلة النصر والغنيمة وكان تدبير الله العلوي من وراء ما بدا في الموقعة من ظواهر النقص والضعف والتميع والغبش في الصف المسلم ومن وراء الهزيمة التي نشأت عن هذه الظواهر كان تدبير الله العلوي من وراء هذا الذي وقع وفق سنة الله الجارية حسب أسبابه الطبيعية الظاهرة تدبيرا كله الخير للجماعة المسلمة في ذلك الحين لتنال هذه الحصيلة الضخمة من العبرة والتربية والوعي والنضح والتمحيص والتميز والتنسيق والتنظيم وليبقى للأمة المسلمة في أجيالها المتعاقبة هذا الرصيد من التجارب والحقائق والتوجيهات التي لا تقدر بثمن ولو كان هذا الثمن هو النصر والغنيمة لقد انتهت المعركة في ميدان الأرض ليبدأها القرآن في ميدانها الأكبر ميدان النفس وميدان الحياة الشاملة للجماعة المسلمة وصنع بهذه الجماعة ما تصنعه يد الله عن علم وعن حكمة وعن خبرة وعن بصيرة وكان ما شاءه الله وما دبره وكان فيه الخير العظيم من وراء الضر والأذى والابتلاء الشاق المرير ولعل مما يلفت النظر في التعقيب القرآني على أحداث المعركة هو ذلك الازدواج العجيب بين استعراض مشاهدها ووقائعها والتوجيهات المباشرة على هذه المشاهد والوقائع وبين التوجيهات الأخرى المتعلقة بتصفية النفوس وتخليصها من غبش التصور وتحريرها من ربقة الشهوات وثقلة المطامع وظلام الأحقاد وظلمة الخطيئة وضعف الحرص والشح والرغبات الدفينة ولعل مما يلفت النظر أكثر الكلام في صدد التعقيب على معركة حربية عن الربا والنهي عنه وعن الشورى والأخذ بها على الرغم مما كان للشورى من معقبات ظاهرية في النتائح السيئة للمعركة ثم سعة المساحة التي يعمل فيها المنهج القرآني في النفس البشرية وفي الحياة الإنسانية وتعدد نقط الحركة فيها وتداخلها وتكاملها العجيب ولكن الذين يدركون طبيعة هذا المنهج الرباني لا يعجبون لشيء من ذلك الازدواج وهذه السعة وهذا التداخل وهذا التكامل فالمعركة الحربية في الحركة الإسلامية ليست معركة أسلحة وخيل ورجال وعدة وعتاد وتدبير حربي فحسب فهذه المعركة الجزئية ليست منعزلة عن المعركة الكبرى في عالم الضمير وعالم التنظيم الاجتماعي للجماعة المسلمة إنها ذات ارتباط وثيق بصفاء ذلك الضمير وخلوصه وتجرده وتحرره من الأوهاق والقيود التي تطمس على شفافيته وتقعد به دون الفرار إلى الله وكذلك هي ذات ارتباط وثيق بالأوضاع التنظيمية التي تقوم عليها حياة الجماعة المسلمة وفق منهج الله القويم المنهج الذي يقوم على الشورى في الحياة كلها لا في نظام الحكم وحده وعلى النظام التعاوني لا النظام الربوي والتعاون والربا لا يجتمعان في نظام والقرآن كان يعالج الجماعة المسلمة على إثر معركة لم تكن كما قلنا معركة في ميدان القتال وحده إنما كانت معركة في الميدان الأكبر ميدان النفس البشرية وميدان الحياة الواقعية ومن ثم عرج على الربا فنهى عنه ; وعرج على الإنفاق في السراء والضراء فحض عليه ; وعرج على طاعة الله ورسوله فجعلها مناط الرحمة ; وعرج على كظم الغيظ والعفو عن الناس وعلى الإحسان والتطهر من الخطيئة بالاستغفار والتوبة وعدم الإصرار ; فجعلها كلها مناط الرضوان كما عرج على رحمة الله المتمثلة في رحمة الرسول ص ولين قلبه للناس وعلى مبدأ الشورى وتقريره في أحرج الأوقات وعلى الأمانة التي تمنع الغلول وعلى البذل والتحذير من البخل في نهاية ما نزل في التعقيب على الغزوة من آيات عرج على هذا كله لأنه مادة إعداد الجماعة المسلمة للمعركة في نطاقها الواسع ; الذي يتضمن المعركة الحربية في إطاره ولا يقتصر عليها معركة التعبئة الكاملة للانتصار الكبير الانتصار على النفس والشهوات والمطامع والأحقاد والانتصار في تقرير القيم والأوضاع السليمة لحياة الجماعة الشاملة وعرج على هذا كله ليشير إلى وحدة هذه العقيدة في مواجهة الكينونة البشرية ونشاطها كله ورده كله إلى محور واحد محور العبادة لله والعبودية له والتوجه إليه في حساسية وتقوى وإلى وحدة منهج الله في الهيمنة على الكينونة البشرية كلها في كل حال من أحوالها وإلى الترابط بين جميع هذه الأحوال في ظل هذا المنهج وإلى وحدة النتائج النهائية للنشاط الإنساني كله وتأثير كل حركة من حركات النفس وكل جزئية من جزئيات التنظيم في هذه النتائج النهائية وإذن فهذه التوجيهات الشاملة ليست بمعزل عن المعركة فالنفس لا تنتصر في المعركة الحربية إلا حين تنتصر في المعارك الشعورية والأخلاقية والنظامية والذين تولوا يوم التقى الجمعان في أحد إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا من الذنوب والذين انتصروا في معارك العقيدة وراء أنبيائهم هم الذين بدأوا المعركة بالاستغفار من الذنوب والالتجاء إلى الله والالتصاق بركنه الركين والتطهر من الذنوب إذن والالتصاق بالله والرجوع إلى كنفه من عدة النصر وليست بمعزل عن الميدان واطراح النظام الربوي إلى النظام التعاوني من عدة النصر ; والمجتمع التعاوني أقرب إلى النصر من المجتمع الربوي وكظم الغيظ والعفو عن الناس من عدة النصر فالسيطرة على النفس قوة من قوى المعركة والتضامن والتواد في المجتمع المتسامح قوة ذات فاعلية كذلك كذلك كان من الحقائق التي اتكأ عليها السياق من بدئه إلى نهايته حقيقة قدر الله ورد الأمر إليه جملة وتصحيح التصور في هذه النقطة تصحيحا حاسما جازما وفي الوقت ذاته تقرير سنة الله في ترتيب العواقب التي تحل بالبشر على ما يصدر من سعيهم ونشاطهم وخطئهم وإصابتهم وطاعتهم ومعصيتهم وتمسكهم بالمنهج وتفريطهم فيه واعتبارهم بعد هذا كله ستارا للقدرة وأداة للمشيئة وقدرا من قدر الله يحقق به ما يشاء سبحانه ثم في النهاية إشعار الجماعة المسلمة أن ليس لها من أمر النصر شيء إنما هو تدبير الله لتنفيذ قدره من خلال جهادها وأجرها هي على الله وليس لها من ثمار النصر شيء من أشياء هذه الأرض ولا لحسابها الخاص يؤتيها الله النصر إذ يشاء إنما لحساب الأهداف العليا التي يشاؤها الله وكذلك الهزيمة فإنها حين تقع بناء على جريان سنة الله وفق ما يقع من الجماعة المسلمة من تقصير وتفريط إنما تقع لتحقيق غايات يقدرها الله بحكمته وعلمه ; لتمحيص النفوس وتمييز الصفوف وتجلية الحقائق وإقرار القيم وإقامة الموازين وجلاء السنن للمستبصرين ولا قيمة ولا وزن في نظر الإسلام للانتصار العسكري أو السياسي أو الاقتصادي ; ما لمم يقم هذا كله على أساس المنهج الرباني في الانتصار على النفس والغلبة على الهوى والفوز على الشهوة وتقرير الحق الذي إراده الله في حياة الناس ليكون كل نصر نصرا لله ولمنهج الله وليكون كل جهد في سبيل الله ومنهج الله وإلا فهي جاهلية تنتصر على جاهلية ولا خير فيها للحياة ولا للبشرية إنما الخير أن ترتفع راية الحق لذات الحق والحق واحد لا يتعدد إنه منهج الله وحده ولا حق في هذا الكون غيره وانتصاره لا يتم حتى يتم أولا في ميدان النفس البشرية وفي نظام الحياة الواقعية وحين تخلص النفس من حظ ذاتها في ذاتها ومن مطامعها وشهواتها ومن أدرانها وأحقادها ومن قيودها وأصفادها وحين تفر إلى الله متحررة من هذه الأثقال والأوهاق وحين تنسلخ من قوتها ومن وسائلها ومن أسبابها لتكل الأمر كله إلى الله بعد الوفاء بواجبها من الجهد والحركة وحين تحكم منهج الله في الأمر كله وتعد هذا التحكيم هو غاية جهادها وانتصارها حين يتم هذا كله يحتسب الانتصار في المعركة الحربية أو السياسية أو الاقتصادية انتصارا في ميزان الله وإلا فهو انتصار الجاهلية على الجاهلية الذي لا وزن له عند الله ولا قيمة ومن ثم كان ذلك الازدواج وكان ذلك الشمول في التعقيب على المعركة التي دارت يوم أحد في ذلك الميدان الفسيح الذي يعد ميدان القتال جانبا واحدا من جوانبه الكثيرة وقبل أن نأخذ في استعراض ذلك التعقيب القرآني على أحداث المعركة يحسن أن موجز أحداث غزوة أحد نلخص وقائعها كما وردت في روايات السيرة ; لندرك مواضع التعقيب والتوجيه حق الإدراك ولنراقب طريقة التربية الإلهية بالقرآن الكريم في تناول الوقائع والأحداث كان المسلمون قد انتصروا في بدر ذلك الانتصار الكامل الذي تبدو فيه في ظل الظروف التي وقع فيها رائحة المعجزة وقد قتل الله بأيديهم أئمة الكفر ورءوسه من قريش فرأس في قريش أبو سفيان بن حرب بعد ذهاب أشرافهم في بدر فأخذ يؤلب على المسلمين لأخذ الثأر وكانت القافلة التي تحمل متاجر قريش قد نجت فلم تقع في أيدي المسلمين ; فتآمر المشركون على رصد ما فيها من أموال لحرب المسلمين وقد جمع أبو سفيان قريبا من ثلاثة آلاف من قريش وأحلافهم والأحابيش وخرج بهم في شوال من السنة الثالثة للهجرة ; وجاءوا معهم بنسائهم ليحاموا عنهن ولا يفروا ثم أقبل بهم نحو المدينة فنزل قريبا من جبل أحد واستشار رسول الله ص أصحابه أيخرج إليهم أم يمكث في المدينة وكان رأيه ألا يخرجوا من المدينة وأن يتحصنوا بها ; فإن دخلوها قاتلهم المسلمون على أفواه الأزقة والنساء من فوق البيوت ووافقه على هذا الرأي عبد الله بن أبي رأس المنافقين فبادرت جماعة كبيرة من الصحابة ومعظمهم من الشبان ممن فاتهم يوم بدر فأشاروا عليه بالخروج وألحوا عليه في ذلك حتى بدا أن هذا هو الرأي السائد في الجماعة فنهض ص ودخل بيته بيت عائشة رضي الله عنها ولبس لأمته وخرج عليهم وقد انثنى عزم أولئك وقالوا أكرهنا رسول الله ص على الخروج فقالوا يا رسول الله إن أحببت أن تمكث في المدينة فافعل فقال رسول الله ص < ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه > وألقى عليهم بذلك درسا نبويا عاليا ; فللشورى وقتها حتى إذا انتهت جاء وقت العزم والمضي والتوكل على الله ولم يعد هناك مجال للتردد وإعادة الشورى والتأرجح بين الآراء إنما تمضي الأمور لغاياتها ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء وكان رسول الله ص قد رأى في منامه أن في سيفه ثلمة ورأى أن بقرا تذبح وأنه أدخل يده في درع حصينة فتأول الثلمة في سيفه برجل يصاب من أهل بيته وتأول البقر بنفر من أصحابه يقتلون وتأول الدرع بالمدينة وكان إذن يرى عاقبة المعركة ولكنه في الوقت ذاته كان يمضي نظام الشورى ونظام الحركة بعد الشورى لقد كان يربي أمة والأمم تربي بالأحداث وبرصيد التجارب الذي تتمخض عنه الأحداث ثم لقد كان يمضي قدر الله الذي تستقر عليه مشاعره ويستقر عليه قلبه فيمضي وفق مواقع هذا القدر كما يحسها في قلبه الموصول وخرج رسول الله ص في ألف من أصحابه واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة بمن بقي في المدينة فلما صار بين المدينة وأحد انعزل رأس النفاق عبد الله بن أبي بنحو ثلث العسكر وقال يخالفني ويسمع للفتية فتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يوبخهم ويحضهم على الرجوع ويقول تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع فرجع عنهم وسبهم وسأله قوم من الأنصار أن يستعينوا بحلفائهم من يهود فأبى ص فالمعركة هي معركة الإيمان والكفر فما ليهود بها والنصر من عند الله حين يصح التوكل عليه وتتجرد القلوب له وقال < من رجل يخرج بنا على القوم من كثب > فخرج به بعض الأنصار حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي وجعل ظهره إلى أحد ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم فلما أصبح تعبأ للقتال في سبعمائة فيهم خمسون فارسا واستعمل على الرماة وكانوا خمسين عبد الله ابن جبير وأمره وأصحابه أن يلزموا مركزهم وألا يفارقوه ولو رأوا الطير تتخطف العسكر وكانوا خلف الجيش وأمرهم أن ينضحوا المشركين بالنبل لئلا يأتوا المسلمين من ورائهم وظاهر رسول الله ص بين درعين وأعطى اللواء مصعب بن عمير وجعل على إحدى المجنبتين الزبير بن العوام وعلى الأخرى المنذر بن عمرو واستعرض الشبان يومئذ فرد من استصغره عن القتال وكان منهم عبد الله بن عمرو وأسامة بن زيد وأسيد بن ظهير والبراء بن عازب وزيد ابن أرقم وزيد بن ثابت وعرابة بن أوس وعمرو بن حزام وأجاز من رآه مطيقا وكان منهم سمرة بن جندب ورافع بن خديج ولهما خمس عشرة سنة وتعبأت قريش للقتال وهم في ثلاثة آلاف وفيهم مائتا فارس فجعلوا على ميمنتهم خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل ودفع رسول الله ص سيفه إلى أبي دجانة سماك بن خرشة وكان شجاعا بطلا يختال عند الحرب وكان أول من بدر من المشركين أبو عامر الفاسق وكان يسمى الراهب فسماه رسول الله ص الفاسق وكان رأس الأوس في الجاهلية فلما جاء الإسلام شرق به وجاهر رسول الله ص بالعداوة فخرج من المدينة وذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول الله ص ويحضهم على قتاله ووعدهم بأن قومه إذا رأوه أطاعوه ومالوا معه فكان أول من لقي المسلمين فنادى قومه وتعرف إليهم فقالوا له لا أنعم الله بك عينا يا فاسق فقال لقد أصاب قومي بعدي شر ثم قاتل المسلمين قتالا شديدا ولما نشب القتال أبلى أبو دجانة الأنصاري بلاء حسنا هو وطلحة بن عبيد الله وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب والنضر بن أنس وسعد بن الربيع وكانت الدولة أول النهار للمسلمين على الكفار ; حيث قتل من هؤلاء سبعون من صناديدهم وانهزم أعداء الله وولوا مدبرين حتى انتهوا إلى نسائهم وحتى شمرت النساء ثيابهن عن أرجلهن هاربات فلم رأى الرماة هزيمة المشركين وانكشافهم تركوا مراكزهم التي أمرهم رسول الله ص ألا يبرحوها وقالوا يا قوم الغنيمة الغنيمة فذكرهم أميرهم عهد رسول الله ص فلم يسمعوا وظنوا أن ليس للمشركين رجعة فذهبوا في طلب الغنيمة وأخلوا الثغر في أحد عندئذ أدركها خالد فكر في خيل المشركين فوجدوا الثغر خاليا فاحتلوه من خلف ظهور المسلمين وأقبل المنهزمون من المشركين حين رأوا خالدا والفرسان قد علوا المسلمين فأحاطوا بهم وانقلبت المعركة فدارت الدائرة على المسلمين ووقع الهرج والمرج في الصف واستولى الاضطراب والذعر لهول المفاجأة التي لم يتوقعها أحد وكثر القتل واستشهد من المسلمين من كتب الله له الشهادة وخلص المشركون إلى رسول الله ص وقد أفرد إلا من نفر يعدون على الأصابع قاتلوا عنه حتى قتلوا وقد جرح وجهه ص وكسرت سنه الرباعية اليمنى في الفك الأسفل وهشمت البيضة على رأسه ورماه المشركون بالحجارة حتى وقع لجنبه وسقط في حفرة من الحفر التي كان أبو عامر الفاسق قد حفرها وغطاها يكيد بها المسلمين وغاصت حلقتان من حلق المغفر في وجنته وفي وسط هذا الهول المحيط بالمسلمين صاح صائح أن محمد قتل فكانت الطامة التي هدت ما بقي من قواهم فانقلبوا على أعقابهم مهزومين هزيمة منكرة لا يحاولون قتالا مما أصابهم من اليأس والكلال ولما انهزم الناس لم ينهزم أنس بن النضر رضي الله عنه وقد انتهى إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار قد ألقوا بأيديهم فقال ما يجلسكم فقالوا قتل رسول الله ص فقال فما تصنعون بالحياة بعده فقوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله ص ثم استقبل المشركين ولقي سعد بن معاذ فقال يا سعد واها لريح الجنة إني أجدها من دون أحد فقاتل حتى قتل ووجد به بضع وسبعون ضربة ولم تعرفه إلا أخته عرفته ببنانه وأقبل رسول الله ص نحو المسلمين وكان أول من عرفه تحت المغفر كعب بن مالك فصاح بأعلى صوته يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله ص فأشار بيده أن اسكت واجتمع إليه المسلمون ونهضوا معه إلى الشعب وفيهم أبو بكر وعمر والحارث بن الصمة الأنصاري وغيرهم فلما امتدوا صعودا في الجبل أدرك رسول الله ص أبي بن خلف على جواد له اسمه العود كان يطعمه في مكة ويقول أقتل عليه محمدا فلما سمع بذلك رسول الله ص قال بل أنا أقتله إن شاء الله فلما أدركه تناول ص الحربة من الحارث وطعن بها عدو الله في ترقوته فذهب يخور كالثور وقد أيقن أنه مقتول كما قال رسول الله ص من قبل ومات بالفعل في طريق عودته وأشرف أبو سفيان على الجبل فنادى أفيكم محمد فقال رسول الله ص لا تجيبوه فقال أفيكم ابن أبي قحافة فلم يجيبوه فقال أفيكم عمر بن الخطاب فلم يجيبوه ولم يسأل إلا عن هؤلاء الثلاثة فقال مخاطبا قومه أما هؤلاء فقد كفيتموهم فلم يملك عمر رضي الله عنه نفسه أن قال يا عدو الله إن الذين ذكرتهم أحياء وقد أبقى الله لك ما يسوؤك فقال قد كان في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني يشير بذلك إلى ما صنعته زوجه هند بجثمان حمزة رضي الله عنه بعد أن قتله وحشي حين بقرت بطنه واستخرجت كبده فلاكتها ثم لفظتها ثم قال اعل هبل فقال رسول الله ص ألا تجيبونه قالوا بماذا نجيبه قال قولوا الله أعلى وأجل قال لنا العزى ولا عزى لكم قال رسول الله ص ألا تجيبونه قالوا بماذا نجيبه قال قولوا الله مولانا ولا مولى لكم قال أبو سفيان يوم بيوم بدر والحرب سجال فقال عمر رضي الله عنه لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ولما انقضت المعركة انصرف المشركون فظن المسلمون أنهم قصدوا المدينة لسبي الذراري وإحراز الأموال فشق ذلك عليهم فقال النبي ص لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه < أخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وماذا يريدون فإن هم جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة وإن كانوا ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة فوالذي نفسي بيده لو أرادوها لأسيرن إليهم ثم لأناجزهم فيها > قال علي فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل ووجهوا مكة فلما كانوا في بعض الطريق تلاوموا فيما بينهم وقال بعضهم لم تصنعوا شيئا أصبتم شوكتهم وحدهم ثم تركتموهم وقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم فارجعوا حتى نستأصل شأفتهم فبلغ ذلك رسول الله ص فنادى في الناس وندبهم إلى المسير إلى لقاء عدوهم وقال < لا يخرج معنا إلا من شهد القتال > فقال له عبد الله بن أبي أركب معك قال < لا > فاستجاب له المسلمون على ما بهم من الجرح الشديد والخوف ; وقالوا سمعا وطاعة وأستأذنه جابر بن عبد الله وقال يا رسول الله إني أحب ألا تشهد مشهدا إلا كنت معك وإنما خلفني أبي على بناته يوم أحد فأذن لي أسير معك فأذن له فسار رسول الله ص والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد ; وأقبل معبد بن أبي معبد الخزاعي إلى رسول الله ص فأمره أن يلحق بأبي سفيان فيخذله فلحقه بالروحاء ولم يعلم بإسلامه فقال وما وراءك يا معبد فقال محمد وأصحابه قد تحرقوا عليكم وخرجوا في جمع لم يخرجوا في مثله وقد ندم من كان تخلف عنهم من أصحابهم فقال ما تقول فقال ما أرى أن ترتحل حتى يطلع الجيش وراء هذه الأكمة فقال أبو سفيان والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم قال فلا تفعل فإني لك ناصح فرجعوا على أعقابهم إلى مكة ولقي أبو سفيان بعض المشركين يريدون المدينة ; فقال هل لك أن تبلغ محمدا رسالة وأوقر لك راحلتك زبيبا إذا أتيت إلى مكة قال نعم قال أبلغ محمدا أنا قد جمعنا الكرة لنستأصله ونستأصل أصحابه فلما بلغهم قوله قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ولم يفت ذلك في عضدهم وأقاموا ثلاثة أيام ينتظرون ثم عرفوا أن المشركين أبعدوا في طريقهم إلى مكة منصرفين فعادوا إلى المدينة وبعد فإن هذا الملخص لأحداث الغزوة لا يصور كل جوانبها ولا يسجل كل ما وقع فيها مما هو موضع المثل والعبرة ومن ثم نذكر بعض الوقائع الموحية تكملة لرسم الجو واستحيائه كان عمرو ابن قميئة من المشركين الذين خلصوا إلى رسول الله ص حين أفرد في فترة اضطراب المعركة عقب تخلي الرماة عن أماكنهم وإحاطة الكفار بالمسلمين والصيحة بأن محمدا قتل وما صنعته في صفوف المسلمين وعزائمهم وفي هذه الغمرة التي يطيش فيها الحليم كانت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية تقاتل عن رسول الله ص قتالا شديدا وقد ضربت عمر بن قميئة بسيفها ضربات عدة ولكن وقته درعان كانتا عليه وضربها هو بالسيف فجرحها جرحا شديدا على عاتقها وكان أبو دجانة يترس بظهره على النبي ص والنبل يقع فيه وهو لا يتحرك ولا يكشف رسول الله ص وكان طلحة بن عبيد الله يثوب سريعا إلى رسول الله ص ويقف دونه وحده حتى يصرع في صحيح ابن حبان عن عائشة قالت قال أبو بكر الصديق لما كان يوم أحد انصرف الناس كلهم عن النبي ص فكنت أول من فاء إلى النبي ص فرأيت بين يديه رجلا يقاتل عنه ويحميه قلت كن طلحة فداك أبي وأمي كن طلحة فداك أبي وأمي فلم أنشب أن أدركني أبو عبيدة بن الجراح وإذا هو يشتد كأنه طير حتى لحقني فدفعنا إلى النبي ص فإذا طلحة بين يديه صريعا فقال ص < دونكم أخاكم فقد أوجب > وقد رمي النبي ص في وجنته حتى غابت حلقة من حلق المغفر في وجنته فذهبت لأنزعها عن النبي ص فقال أبو عبيدة نشدتك الله يا أبا بكر إلا تركتني قال فأخذ أبو عبيدة السهم بفيه فجعل ينضنضه كراهة أن يؤذي رسول الله ص ثم استل السهم بفيه فندرت ثنية أبي عبيدة قال أبو بكر ثم ذهبت لآخذ الآخر فقال أبو عبيدة نشدتك الله يا أبا بكر إلا تركتني قال فأخذه فجعل ينضنضه حتى استله فندرت ثنية أبي عبيدة الأخرى ثم قال رسول الله ص < دونكم أخاكم فقد أوجب > قال فأقبلنا على طلحة نعالجه وقد أصابته بضع عشرة ضربة وجاء علي كرم الله وجهه بالماء لغسل جرح رسول الله ص فكان يصب الماء على الجرح وفاطمة رضي الله عنها تغسله فلما رأت أن الدم لا يكف أخذت قطعة من حصير فأحرقتها فألصقتها بالجرح فاستمسك الدم وقد مص مالك والد أبي سعيد الخدري جرح رسول الله ص حتى أنقاه فقال له مجه فقال والله لا أمجه أبدا ثم ذهب فقال النبي ص < من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا > وفي صحيح مسلم أنه ص أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش فلما رهقوه قال < من يردهم عني وله الجنة > فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ثم رهقوه فقال < من يردهم عني فله الجنة وهو رفيقي في الجنة > فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة فقال رسول الله ص < ما انصفنا أصحابنا > ثم جالدهم طلحة حتى أجهضهم عنه وترس عليه أبو دجانة بظهره كما أسلفنا حتى انجلت الكربة وقد بلغ الإعياء برسول الله ص أنه وهو يصعد الجبل والمشركون يتبعونه أراد أن يعلو صخرة فلم يستطع لما به فجلس طلحة تحته حتى صعدها وحانت الصلاة فصلى بهم جالسا ومن أحداث هذا اليوم كذلك إن حنظلة الأنصاري الملقب بحنظلة الغسيل شد على أبي سفيان فلما تمكن منه حمل على حنظلة شداد ابن الأسود فقتله وكان جنبا فإنه لما سمع صيحة الحرب وهو مع امرأته قام من فوره إلى الجهاد فأخبر رسول الله ص أصحابه أن الملائكة تغسله ثم قال سلوا أهله ما شأنه فسألوا امرأته فأخبرتهم الخبر وقال زيد بن ثابت بعثني رسول الله ص يوم أحد أطلب سعد بن الربيع قال فجعلت أطوف بين القتلى فأتيته وهو بآخر رمق وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم فقلت يا سعد إن رسول الله ص يقرأ عليك السلام ويقول لك أخبرني كيف تجدك فقال وعلى رسول الله ص السلام قل له يا رسول الله أجد ريح الجنة وقل لقومي الأنصار لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله ص وفيكم عين تطرف وفاضت نفسه من وقته ومر رجل من المهاجرين برجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه فقال يا فلان أشعرت أن محمدا قد قتل فقال الأنصاري إن كان محمد قد قتل فقد بلغ فقاتلوا عن دينكم وقال عبد الله بن عمرو بن حرام رأيت في النوم قبل أحد مبشر بن عبد المنذر يقول لي أنت قادم علينا في أيام فقلت وأين أنت فقال في الجنة نسرح فيها حيث نشاء قلت له ألم تقتل يوم بدر فقال بلى ثم أحييت فذكرت ذلك لرسول الله ص فقال < هذه الشهادة يا أبا جابر > وقال خيثمة وكان ابنه قد استشهد مع رسول الله ص يوم بدر لقد أخطأتني وقعة بدر وكنت والله عليها حريصا حتى ساهمت إبني في الخروج فخرج سهمه فرزق الشهادة وقد رأيت البارحة ابني في النوم في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها يقول الحق بنا ترافقنا في الجنة فقد وجدت ما وعدني ربي حقا وقد والله يا رسول الله أصبحت مشتاقا إلى مرافقته في الجنة وقد كبرت سني ورق عظمي وأحببت لقاء ربي فادع الله يا رسول الله أن يرزقني الشهادة ومرافقة سعد في الجنة فدعا له رسول الله ص بذلك فقتل بأحد شهيدا وقال عبد الله بن جحش في ذلك اليوم اللهم إني أقسم عليك أن القي العدو غدا فيقتلوني ثم يبقروا بطني ويجدعوا أنفي وأذني ثم تسألني فيم ذلك فأقول فيك وكان عمرو بن الجموح أعرج شديد العرج وكان له أربعة بنين شباب يغزون مع رسول الله ص إذا غزا فلما توجه إلى أحد أراد أن يتوجه معه فقال له بنوه إن الله قد جعل لك رخصة فلو قعدت ونحن نكفيك وقد وضع الله عنك الجهاد فأتى عمرو بن الجموح رسول الله ص فقال يا رسول الله إن بني هؤلاء يمنعونني أن أخرج معك والله إني لأرجو أن استشهد فأطأ بعرجتي هذه في الجنة فقال له رسول الله ص < أما أنت فقد وضع الله عنك الجهاد > وقال لبنيه < وما عليكم أن تدعوه لعل الله عز وجل أن يرزقه الشهادة > فخرج مع رسول الله ص فقتل يوم أحد شهيدا وفي مضطرب المعركة نظر حذيفة بن اليمان إلى أبيه والمسلمون يريدون قتله لا يعرفونه وهم يظنونه من المشركين فقال حذيفة أي عباد الله أبي فلم يفهموا قوله حتى قتلوه فقال يغفر الله لكم فأراد رسول الله ص أن يؤدي ديته فقال حذيفة قد تصدقت بديته على المسلمين فزاد ذلك حذيفة خيرا عند رسول الله وقال وحشي غلام جبير بن مطعم يصف مصرع حمزة سيد الشهداء في هذه الغزوة قال لي جبير إن قتلت حمزة عم محمد فأنت عتيق قال فخرجت مع الناس وكنت رجلا حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة قلما أخطئ بها شيئا فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة واتبصره حتى رأيته كأنه الجمل الأورق يهد الناس بسيفه هدا ما يقوم له شيء فوالله إني لأتهيأ له أريده وأستتر منه بشجرة أو بحجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى فلما رآه حمزة ضربه ضربة كأنما اختطف رأسه فهززت حربتي حتى إذا رضيت عنها دفعتها عليه فوقعت في ثنته أحشائه حتى خرجت من بين رجليه وذهب لينوء نحوي فغلب وتركته وإياها حتى مات ثم أتيته فأخذت حربتي ورجعت إلى المعسكر فقعدت فيه إذ لم تكن لي بغيره حاجة إنما قتلت لأعتق وقد جاءت هند بنت عتبة زوج أبي سفيان فبقرت بطن حمزة وأخرجت كبده ولاكتها فلم تقدر عليها فألقتها ولما وقف رسول الله ص بعد المعركة على جثمان حمزة رضي الله عنه تأثر تأثرا شديدا وقال ص < لن أصاب بمثلك أبدا وما وقفت قط موقفا أغيظ إلي من هذا > ثم قال رسول الله ص < أكلت شيئا > قالوا لا قال < ما كان الله ليدخل شيئا من حمزة في النار > وقد أمر رسول الله ص أن يدفن شهداء أحد في مصارعهم ولا ينقلوا إلى مقابر المدينة وكان بعض الصحابة قد نقلوا قتلاهم فنادى منادي رسول الله ص برد القتلى إلى مصارعهم فردوا ووقف صلوات الله وسلامه عليه يدفن الرجلين والثلاثة في اللحد الواحد وكان يسأل أيهم أكثر أخذا في القرآن فإذا أشاروا إلى رجل قدمه في اللحد ودفن عبد الله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح في قبر واحد لما كان بينهما من المحبة فقال < ادفنوا هذين المتحابين في الدنيا في قبر واحد > معالجة القرآن لأحداث الغزوة هذه بعض اللقطات من المعركة التي تجاور فيها النصر والهزيمة لا تفرق بينهما إلا لحظة من الزمان وإلا مخالفة عن الأمر وإلا حركة من الهوى وإلا لفتة من الشهوة والتي تجاورت فيها القيم العالية والسفوح الهابطة والنماذج الفريدة في تاريخ الإيمان والبطولة وفي تاريخ النفاق والهزيمة وهي مجموعة تكشف عن حالة من عدم التناسق في الصف حينذاك كما تكشف عن حالة من الغبش في تصورات بعض المسلمين وهذه وتلك انشأت وفق سنة الله وقدره هذه النتائج التي ذاقها المسلمون ; وهذه التضحيات الجسام التي تتراءى على قمتها تلك التي أصابت رسول الله ص والتي لا شك أن الصحابة حين ذاك كانوا يحسونها بعمق وعنف ويرونها أشد ما نالهم من الآلام وقد دفعوا الثمن غاليا ليتلقوا الدرس عاليا وليمحص الله القلوب ويميز الصفوف وليعد الجماعة المسلمة للمهمة العظمى التي ناطها بها مهمة القيادة الراشدة للبشرية وإقرار منهج الله في الأرض في صورته المثالية الواقعية فلننظر إذن كيف عالج القرآن الكريم الموقف بطريقة القرآن إن النص القرآني لا يتتبع أحداث المعركة للرواية والعرض ; ولكنه يتتبع دخائل النفوس وخوالج القلوب ; ويتخذ من الأحداث مادة تنبيه وتنوير وتوجيه وهو لا يعرض الحوادث عرضا تاريخيا مسلسلا بقصد التسجيل ; إنما هو يعرضها للعبرة والتربية واستخلاص القيم الكامنة وراء الحوادث ; ورسم سمات النفوس وخلجات القلوب وتصوير الجو الذي صاحبها ; والسنن الكونية التي تحكمها ; والمبادىء الباقية التي تقررها وبذلك تستحيل الحادثة محورا أو نقطة ارتكاز لثروة ضخمة من المشاعر والسمات والنتائج والاستدلالات يبدأ السياق منها ; ثم يستطرد حولها ; ثم يعود إليها ; ثم يجول في أعماق الضمائر وفي أغوار الحياة ; ويكرر هذا مرة بعد مرة حتى ينتهي برواية الحادث إلى نهايتها وقد ضم جناحيه على حفل من المعاني والدلائل والقيم والمبادىء لم تكن رواية الحادث إلا وسيلة إليها ونقطة ارتكاز تتجمع حواليها وحتى يكون قد تناول ملابسات الحادث وعقابيله في الضمائر فجلاها ونقاها وأراحها في مواضعها فلا تجد النفس منها حيرة ولا قلقا ولا تحس فيها لبسا ولا دخلا وينظر الإنسان في رقعة المعركة وما وقع فيها على سعته وتنوعه ثم ينظر إلى رقعه التعقيب القرآني وما تناوله من جوانب ; فإذا هذه الرقعة أوسع من تلك وأبقى على الزمن وألصق بالقلوب وأعمق في النفوس وأقدر على تلبية حاجات النفس البشرية وحاجات الجماعة الإسلامية في كل موقف تتعرض له في هذا المجال على تتابع الأجيال فهي تتضمن الحقائق الباقية من وراء الأحداث الزائلة والمبادىء المطلقة من وراء الحوادث المفردة والقيم الأصيلة من وراء الظواهر العارضة والرصيد الصالح للتزود بغض النظر عن اعتبارات الزمان والمكان وهذه الحصيلة الباقية تدخرها النصوص القرآنية لكل قلب يتفتح بالإيمان في أي زمان وفي أي مكان وسنعرض لها متجمعة إن شاء الله بعد استعراضها متفرقة في النصوص معالجة القرآن لأحداث غزوة أحد
الدرس الأول الخروج إلى أحد
وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون هكذا يبدأ باستعادة المشهد الأول للمعركة واستحضاره وقد كان قريبا من نفوس المخاطبين الأولين بهذا القرآن ومن ذاكرتهم ولكن ابتداء الحديث على هذا النحو واستحضار المشهد الأول بهذا النص من شأنه أن يعيد المشهد بكل حرارته وبكل حيويته ; وأن يضيف إليه ما وراء المشهد المنظور الذي يعرفونه من حقائق أخرى لا يتضمنها المشهد المنظور وأولها حقيقة حضور الله سبحانه معهم وسمعه وعلمه بكل ما كان وما دار بينهم وهي الحقيقة التي تحرص التربية القرآنية على استحضارها وتقريرها وتوكيدها وتعميقها في التصور الإسلامي وهي هي الحقيقة الأساسية الكبيرة التي أقام عليها الإسلام منهجه التربوي والتي لا يستقيم ضمير على المنهج الإسلامي بكل تكاليفه إلا أن تستقر فيه هذه الحقيقة بكل قوتها وبكل حيويتها كذلك وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم والإشارة هنا إلى غدو النبي ص من بيت عائشة رضي الله عنها وقد لبس لأمته ودرعه ; بعد التشاور في الأمر وما انتهى إليه من عزم على الخروج من المدينة للقاء المشركين خارجها وما أعقب هذا من تنظيم الرسول ص للصفوف ومن أمر للرماة باتخاذ موقفهم على الجبل وهو مشهد يعرفونه وموقف يتذكرونه ولكن الحقيقة الجديدة فيه هي هذه والله سميع عليم ويا له من مشهد الله حاضره ويا له من موقف الله شاهده ويا لها من رهبة إذن ومن روعة تحف به وتخالط كل ما دار فيه من تشاور والسرائر مكشوفة فيه لله وهو يسمع ما تقوله الألسنة ويعلم ما تهمس به الضمائر واللمسة الثانية في هذا المشهد الأول هي حركة الضعف والفشل التي راودت قلوب طائفتين من المسلمين ; بعد تلك الحركة الخائنة التي قام بها رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول حين انفصل بثلث الجيش مغضبا أن الرسول ص لم يأخذ برأيه واستمع إلى شباب أهل المدينة وقال لو نعلم قتالا لاتبعناكم فدل بهذا على أن قلبه لم يخلص للعقيدة ; وأن شخصه ما يزال يملأ قلبه ويطغى في ذلك القلب على العقيدة العقيدة التي لا تحتمل شركة في قلب صاحبها ولا تطيق لها فيه شريكا فإما أن يخلص لها وحدها وإما أن تجانبه هي وتجتويه إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون وهاتان الطائفتان كما ورد في الصحيح من حديث سفيان بن عيينة هما بنو حارثة وبنو سلمة أثرت فيهما حركة عبد الله بن أبي وما أحدثته من رجة في الصف المسلم من أول خطوة في المعركة فكادتا تفشلان وتضعفان لولا أن أدركتهما ولاية الله وتثبيته كما أخبر هذا النص القرآني والله وليهما قال عمر رضي الله عنه سمعت جابر بن عبد الله يقول فينا نزلت إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا قال نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سلمة وما نحب أو وما يسرني أنها لم تنزل لقوله تعالى والله وليهما رواه البخاري ومسلم وهكذا يكشف الله المخبوء في مكنونات الضمائر ; والذي لم يعلمه إلا أهله حين حاك في صدورهم لحظة ; ثم وقاهم الله إياه وصرفه عنهم وأيدهم بولايته فمضوا في الصف يكشفه لاستعادة أحداث المعركة واستحياء وقائعها ومشاهدها ثم لتصوير خلجات النفوس وإشعار أهلها حضور الله معهم وعلمه بمكنونات ضمائرهم كما قال لهم والله سميع عليم لتوكيد هذه الحقيقة وتعميقها في حسهم ثم لتعريفهم كيف كانت النجاة ; وإشعارهم عون الله وولايته ورعايته حين يدركهم الضعف ويدب فيهم الفشل ليعرفوا أين يتوجهون حين يستشعرون شيئا من هذا وأين يلتجئون ومن ثم يوجههم هذا الوجه الذي لا وجه غيره للمؤمنين وعلى الله فليتوكل المؤمنون على وجه القصر والحصر على الله وحده فليتوكل المؤمنون فليس لهم إن كانوا مؤمنين إلا هذا السند المتين وهكذا نجد في الآيتين الأوليين اللتين يستحضر بهما القرآن مشهد المعركة وجوها هذين التوجيهين الكبيرين الأساسيين في التصور الإسلامي وفي التربية الإسلامية والله سميع عليم وعلى الله فليتوكل المؤمنون نجدهما في أوانهما المناسب وفي جوهما المناسب ; حيث يلقيان كل إيقاعاتهما وكل إيحاءاتهما في الموعد المناسب ; وقد تهيأت القلوب للتلقي والاستجابة والانطباع ويتبين من هذين النصين التمهيديين كيف يتولى القرآن استحياء القلوب وتوجيهها وتربيتها ; بالتعقيب على الأحداث وهي ساخنة ويتبين الفرق بين رواية القرآن للأحداث وتوجيهها وبين سائر المصادر التي قد تروي الأحداث بتفصيل أكثر ; ولكنها لا تستهدف القلب البشري والحياة البشرية بالإحياء والاستجاشة وبالتربية والتوجيه كما يستهدفها القرآن الكريم بمنهجه القويم
الدرس الثاني تذكير بمعجزة النصر في بدر
هكذا يبدأ الحديث عن المعركة التي لم ينتصر فيها المسلمون وقد كادوا وهي قد بدأت بتغليب الاعتبارات الشخصية على العقيدة عند المنافق عبد الله بن أبي ; وتابعه في حركته أتباعه الذين غلبوا اعتباره الشخصي على عقيدتهم وبالضعف الذي كاد يدرك طائفتين صالحتين من المسلمين ثم انتهت بالمخالفة عن الخطة العسكرية تحت مطارق الطمع في الغنيمة فلم تغن النماذج العالية التي تجلت في المعركة عن المصير الذي انتهت إليه بسبب ذلك الخلل في الصف وبسبب ذلك الغبش في التصور وقبل أن يمضي في الاستعراض والتعقيب على أحداث المعركة التي انتهت بالهزيمة يذكرهم بالمعركة التي انتهت بالنصر معركة بدر لتكون هذه أمام تلك مجالا للموازنة وتأمل الأسباب والنتائج ; ومعرفة مواطن الضعف ومواطن القوة وأسباب النصر وأسباب الهزيمة ثم بعد ذلك ليكون اليقين من أن النصر والهزيمة كليهما قدر من أقدار الله ; لحكمة تتحقق من وراء النصر كما تتحقق من وراء الهزيمة سواء وأن مرد الأمر في النهاية إلى الله على كلا الحالين وفي جميع الأحوال ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم والنصر في بدر كان فيه رائحة المعجزة كما أسلفنا فقد تم بغير أداة من الأدوات المادية المألوفة للنصر لم تكن الكفتان فيها بين المؤمنين والمشركين متوازنتين ولا قريبتين من التوازن كان المشركون حوالي ألف خرجوا نفيرا لاستغاثة أبي سفيان لحماية القافلة التي كانت معه مزودين بالعدة والعتاد والحرص على الأموال والحمية للكرامة وكان المسلمون حوالي ثلاثمائة لم يخرجوا لقتال هذه الطائفة ذات الشوكة إنما خرجوا لرحلة هينة لمقابلة القافلة العزلاء وأخذ الطريق عليها ; فلم يكن معهم على قلة العدد إلا القليل من العدة وكان وراءهم في المدينة مشركون لا تزال لهم قوتهم ومنافقون لهم مكانتهم ويهود يتربصون بهم وكانوا هم بعد ذلك كله قلة مسلمة في وسط خضم من الكفر والشرك في الجزيرة ولم تكن قد زالت عنهم بعد صفة أنهم مهاجرون مطاردون من مكة وأنصار آووا هؤلاء المهاجرين ولكنهم ما يزالون نبته غير مستقرة في هذه البيئة فبهذا كله يذكرهم الله سبحانه ويرد ذلك النصر إلى سببه الأول في وسط هذه الظروف ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إن الله هو الذي نصرهم ; ونصرهم لحكمة نص عليها في مجموعة هذه الآيات وهم لا ناصر لهم من أنفسهم ولا من سواهم فإذا اتقوا وخافوا فليتقوا وليخافوا الله الذي يملك النصر والهزيمة ; والذي يملك القوة وحده والسلطان فلعل التقوى أن تقودهم إلى الشكر ; وأن تجعله شكرا وافيا لائقا بنعمة الله عليهم على كل حال هذه هي اللمسة الأولى في تذكيرهم بالنصر في بدر ثم يستحضر مشهدها ويستحيي صورتها في حسهم كأنهم اللحظة فيها إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وكانت هذه كلمات رسول الله ص يوم بدر للقلة المسلمة التي خرجت معه ; والتي رأت نفير المشركين وهي خرجت لتلقى طائفة العير الموقرة بالمتاجر لا لتلقى طائفة النفير الموقرة بالسلاح وقد أبلغهم الرسول ص ما بلغه يومها ربه لتثبيت قلوبهم وأقدامهم وهم بشر يحتاجون إلى العون في صورة قريبة من مشاعرهم وتصوراتهم ومألوفاتهم وأبلغهم كذلك شرط هذا المدد إنه الصبر والتقوى ; الصبر على تلقي صدمة الهجوم والتقوى التي تربط القلب بالله في النصر والهزيمة بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين فالأن يعلمهم الله أن مرد الأمر كله إليه وأن الفاعلية كلها منه سبحانه وأن نزول الملائكة ليس إلا بشرى لقلوبهم ; لتأنس بهذا وتستبشر وتطمئن به وتثبت أما النصر فمنه مباشرة ومتعلق بقدره وإرادته بلا واسطة ولا سبب ولا وسيلة ما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم وهكذا يحرص السياق القرآني على رد الأمر كله إلى الله كي لا يعلق بتصور المسلم ما يشوب هذه القاعدة الأصيلة قاعدة رد الأمر جملة إلى مشيئة الله الطليقة وإرادته الفاعلة وقدره المباشر وتنحية الأسباب والوسائل عن أن تكون هي الفاعلة وإنما هي أداة تحركها المشيئة وتحقق بها ما تريده وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم وقد حرص القرآن الكريم على تقرير هذه القاعدة في التصور الإسلامي وعلى تنقيتها من كل شائبة وعلى تنحيه الأسباب الظاهرة والوسائل والأدوات عن أن تكون هي الفاعلة لتبقى الصلة المباشرة بين العبد والرب بين قلب المؤمن وقدر الله بلا حواجز ولا عوائق ولا وسائل ولا وسائط كما هي في عالم الحقيقة وبمثل هذه التوجيهات المكررة في القرآن المؤكدة بشتى أساليب التوكيد استقرت هذه الحقيقة في أخلاد المسلمين على نحو بديع هادىء عميق مستنير عرفوا أن الله هو الفاعل وحده وعرفوا كذلك أنهم مأمورون من قبل الله باتخاذ الوسائل والأسباب وبذل الجهد والوفاء بالتكاليف فاستيقنوا الحقيقة وأطاعوا الأمر في توازن شعوري وحركي عجيب ولكن هذا إنما جاء مع الزمن ومع الأحداث ومع التربية بالأحداث والتربية بالتعقيب على الأحداث كهذا التعقيب ونظائره الكثيرة في هذه السورة وفي هذه الآيات يستحضر مشهد بدر والرسول ص يعدهم الملائكة مددا من عند الله ; إذا هم استمسكوا بالصبر والتقوى والثبات في المعركة حين يطلع المشركون عليهم من وجههم هذا ثم يخبرهم بحقيقة المصدر الفاعل من وراء نزول الملائكة وهو الله الذي تتعلق الأمور كلها بإرادته ويتحقق النصر بفعله وإذنه الله العزيز الحكيم فهو العزيز القوي ذو السلطان القادر على تحقيق النصر وهو الحكيم الذي يجري قدره وفق حكمته والذي يحقق هذا النصر ليحقق من ورائه حكمة ثم يبين حكمة هذا النصر أي نصر وغاياته التي ليس لأحد من البشر منها شيء ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون إن النصر من عند الله لتحقيق قدر الله وليس للرسول ص ولا للمجاهدين معه في النصر من غاية ذاتية ولا نصيب شخصي كما أنه ليس له ولا لهم دخل في تحقيقه وإن هم إلا ستار القدرة تحقق بهم ما تشاء فلا هم أسباب هذا النصر وصانعوه ; ولا هم أصحاب هذا النصر ومستغلوه إنما هو قدر الله يتحقق بحركة رجاله وبالتأييد من عنده لتحقيق حكمة الله من ورائه وقصده ليقطع طرفا من الذين كفروا فينقص من عددهم بالقتل أو ينقص من أرضهم بالفتح أو ينقص من سلطانهم بالقهر أو ينقص من أموالهم بالغنيمة أو ينقص من فاعليتهم في الأرض بالهزيمة أو يكبتهم فينقلبوا خائبين أي يصرفهم مهزومين أذلاء فيعودوا خائبين مقهورين أو يتوب عليهم فإن انتصار المسلمين قد يكون للكافرين عظة وعبرة وقد يقودهم إلى الإيمان والتسليم فيتوب الله عليهم من كفرهم ويختم لهم بالإسلام والهداية أو يعذبهم فإنهم ظالمون يعذبهم بنصر المسلمين عليهم أو بأسرهم أو بموتهم على الكفر الذي ينتهي بهم إلى العذاب جزاء لهم على ظلمهم بالكفر وظلمهم بفتنة المسلمين وظلمهم بالفساد في الأرض وظلمهم بمقاومة الصلاح الذي يمثله منهج الإسلام للحياة وشريعته ونظامه إلى آخر صنوف الظلم الكامنة في الكفر والصد عن سبيل الله وعلى أية حال فهي حكمة الله وليس لبشر منها شيء حتى رسول الله ص يخرجه النص من مجال هذا الأمر ليجرده لله وحده سبحانه فهو شأن الألوهية المتفردة بلا شريك بذلك ينسلخ المسلمون بأشخاصهم من هذا النصر من أسبابه ومن نتائجه وبذلك يطامنون من الكبر الذي يثيره النصر في نفوس المنتصرين ومن البطر والعجب والزهو الذي تنتفخ به أرواحهم وأوداجهم وبذلك يشعرون أن ليس لهم من الأمر شيء إنما الأمر كله لله أولا وأخيرا وبذلك يرد أمر الناس طائعهم وعاصيهم إلى الله فهذا الشأن شأن الله وحده سبحانه شأن ه