بسم الله الرحمن الرحيم
في تعظيم العلي الأعلى لقدر النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا
قال الفقيه القاضي الامام ابو الفضل وفقه الله تعالى وسدده
لا خفاء على من مارس شيئا من العلم او خص بأدنى لمحة من الفهم: بتعظيم الله قدر نبينا صلى الله عليه وسلم وخصوصيته بفضائل ومحاسن ومناقب لاتنضبط ُ لزمام وتنويهه من عظيم قدره بما تكل عنه الألستة والأقلام فمنها ماصرح به تعالى في كتابه ونبه به على جليل نِصابهِ وأثنى به عليه من أخلاقه وآدابه وحض العبادعلى التزامه وتقلد إيجابهِ ك؛ فكان جل جلاله هو الضي تفضل وأولى ثم طهر وزكى ثم مدح بذلك وأثنى ثم أثاب عليه الجزاء الأوفى فله الفضل بدأ وعودا والحمد أولى وأخره ومنها ماأبرزخ للعيان من خلقهِ على أتم وجوه الكمال والجلال وتخصيصه بالمحاسن الجميلة والاخلاق الحميدة والمذاهب الكريمة والفضائل العديدة وتأييده بالمعجزات الباهرة والبراهين الواضحة والكرامات البينة التي شاهدها من عاصرة ورآها من أدركه وعلمها علم يقين من جاء بعده حتى انتهى علم حقيقة ذلك إلينا وفاضت أنواره علينا كثيرا صلى الله عليه وسلم
نبأنا معمر عن قتادة عن أنس رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق ليلة اسري به ملجما فاستصعب عليه فقال جبريل : أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على الله منه! قال فارفض عرقا))
الباب الاول: في ثنا الله تعالى عليه وإظهاره عظيم قدره لديه
وقال سبحانه: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} آل عمران:164
وقال: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} الجمعة: 2
وقال سبحانه: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} البقرة: 151
روى عن على بن أبى طالب رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى: {مِّنْ أَنفُسِكُمْ}
قال: نسبا وصهرا وحسبا، ليس فى آبائى من لدن آدم سفاح، كلنا نكاح.([1])
قال ابن الكلبى: كتبت للنبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ خمسمائة أم، فما وجدت فيهن سفاحا ولا شيئا مما كان عليه الجاهلية " ([2])
وأثنى سبحانه على نبيه صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ[ الأنبياء:107
قال أبو بكر بن طاهر: " زين الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم ـ بزينة الرحمة، فكان كونه رحمة، وجمع شمائله وصفاته رحمة على الخلق، فمن أصابه شىء من رحمته فهو الناجى فى الدارين من كل مكروه، والواصل فيهما إلى كل محبوب، ألا ترى أن الله يقول{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } فكانت حياته رحمة، مماته رحمة... كما قال عليه الصلاة والسلام: ( إذا أراد الله رحمة بأمة قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطا وسلفا ) ([3])
وقال السمرقندى: رحمة للعالمين يعنى: الجن والإنس. وقيل: لجميع الخلق، رحمة للمؤمن بالهداية ورحمة للمنافق بالأمان من القتل، ورحمة للكافر بتأخير العذاب.
قال ابن عباس رضى الله عنهما: هو رحمة للمؤمنين وللكافرين، إذا عوفوا مما أصاب غيرهم من الأمم المكذبة ([4])
ومدحه سبحانه بأنه صلى الله عليه وسلم نور وسراج منير، فقال تعالى {ٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ}المائدة: 15
وقال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} الأحزاب: 45، 46
وجعل طاعته صلى الله عليه وسلم طاعة لله عز وجل، فقال سبحانه {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ } النساء: 80
" وقد روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال: من فضيلتك عند الله أن جعل طاعتك طاعته فقال تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ }وقد قال تعالى : {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} آل عمران:31،32
روى أنه لما نزلت هذه الآية قالوا: إن محمدا يريد أن نتخذه حنانا كما اتخذت النصارى عيسى فأنزل الله تعالى: { قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ} فقرن طاعته بطاعته رغماً لهم"([5])
الباب الثاني: في تكميله تعالى له المحاسن خلقا وخُلقا
اما الخلقة والشكل فدعونا نبحر فيها وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى الناس قدراً وأعظمهم محلاً وأكملهم محاسنا وفضلاً وقد حاز كل درجات الكمال فقد حاز إلى جانب ذلك كل درجات الجمال وإذا كان سيدنا يوسف عليه السلام قد أعطيَ شطر الجمال حتى كان جماله فتنة فراودته امرأة العزيز عن نفسه وقطعت النسوة أصابعهن لرؤيته فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد أعطاه الله عز وجل الجمال كله وزاد على ذلك تكرماً منه وفضلاً أن لم يجعل ذلك الجمال فتنة لمن يراه صلى الله عليه وسلم بل أحاطه بشيءٍ من الهيبة والجلال لمن يراه للمرة الأولى فإذا ما خالطه في حياته وجلس إلى قربه دخل حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قلبه فكان جمال رسول الله صلى الله عليه وسلم محاطاً بشيءٍ من الهيبة حتى لا يفتتن به من يراه .
وخير من يحدثنا عن جمال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم صحابته الذين آمنوا به ونصروه وعزروه ولكن ليس الكبار منهم فلم يصفه إلا صغارهم أو من كان في تربيته قبل النبوة كهند بن أبي هالة بن خديجة أم المؤمنين من زوجها الأول أبي هالة فهو ربيب النبي صلى الله عليه وسلم فكان لصغر سنه يتشبع بالنظر إليه ولذا أكثر من وصفه فاشتهر بهند الوصاف وسبق بذلك كبار الصحابة لأنهم كانوا يهابون إطالة النظر إليه صلى الله عليه وسلم لشدة مهابته ومزيد وقاره والدليل على أنه لم يصفه صلى الله عليه وسلم إلا الصغار حديث مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : ( صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبةً طويلة وسمعت منه أحاديث كثيرة وحفظت عنه ألف مثل ومع ذلك ما ملأت عيني منه قط حياءً منه وتعظيماً له ولو قيل لي صفه لما قدرت ) .
ولقد قال الشيخ يوسف النبهاني في كتابه الأنوار المحمدية اعلم أن من تمام الإيمان به صلى الله عليه وسلم الإيمان أن الله تعالى قد جعل خلق بدنه الشريف على وجهٍ لم يظهر قبله ولا بعده خلق آدميٍ مثله )
قال البوصيري :
فهو الذي تم معناه مصورته ثم اصطفاه حبيباً بارء النسم
منزهٌ عن شريك في محاسنه فجوهر الحسن فيه غير منقسمِ
ولقد نقل عن الإمام القرطبي قوله : ( لم يظهر لنا تمام حسنه صلى الله عليه وسلم لأنه لو ظهر لنا تمام حسنه لما أطاقت أعيننا رؤيته صلى الله عليه وسلم .
وجهه صلى الله عليه وسلم :
كان رسول الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً وأنورهم محيّاً ولقد اجتمعت كلمة الصحابة الذين وصفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان منير الوجه ، مشرق المحيّا .
* فمن الصحابة من ضرب المثل لبهاء نوره صلى الله عليه وسلم بالشمس فروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ما رأيت شيءً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه )
قال الإمام الغزالي رضي الله عنه : كانوا يقولون هو كما وصفه صاحبه أبو بكرٍ رضي الله عنه :
أمين المصطفى للخير يدعو كضوء البدر زايله الظلام
وعن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال :
قلت للربَيِّعِ بنت مُعوِّذ : صفي لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا بني لو رأيته لرأيت الشمس طالعة رواه الترمزي والبيهقي
ومن الصحابة من شبه نور وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم بنور القمر
فلقد روى الترمزي من رواية الحسن بن علي رضي الله عنهما قال:
سألت خالي هند بن أبي هالة وكان وصافاً عن حلية النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخماً مفخَّماً يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر.
وفي صحيح البخاري من حديث كعب بن مالك أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنار وجهه كأنه قطعة قمر .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً وأنوره لوناً لم يصفه واصف إلا شبَّه وجهه بالقمر ليلة البدر وكان عرقه في وجهه مثل اللؤلؤ وأطيب من المسك الأزفر ) .رواه أبو نعيم
وروى إبن عساكر وأبو نعيم والخطيب بسند حسن عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : (كنت قاعدةً أغزل والنبي صلى الله عليه وسلم يخصف نعله فجعل جبينه يعرق وجعل عرقه يتولَّدُ نوراً فبهتُّ فقال : ما لك بهتِّي قلت : جعل جبينك يعرق وجعل عرقك يتولد نوراً ) .
صفته العامة صلى الله عليه وسلم :
فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعاً ، بعيد ما بين المنكبين ، له شعرٌ يبلغ شحمة أذنيه ، رأيته في حلةٍ حمراء ، لم أرَ شيءً قط أحسن منه صلى الله عليه وسلم . رواه مسلم
وعن سيدنا علي رضي الله عنه أنه إذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطويل الممغَّط ، ولا بالقصير المتردِّد ، وكان ربعةً من القوم ، ولم يكن بالجَعْد القَطط ، ولا بالسبْط ، كان جعداً رَجِلاً ، ولم يكن بالمُطَهَّم ، ولا بالمُكَلثَم ، وكان في وجهه تدوير ، أبيض مشرب بحُمرة ، أدعَجَ العينين ، أهدَبَ الأشفار ، جليل المُشاشِ والكَتَدَ ، أجرد ذو مسربة ، شثن الكفين والقدمين ، لإذا مشى تقلَّعَ كأنما ينحَطُّ من صببٍ ، وإذا التفت التفت معاً ، بين كتفيه خاتم النبوة ، وهو خاتم النبيين ، أجود الناس صدراً ، وأصدق الناس لهجةً ، وألينُهُم عريكةً ، وأكرمهم عشرةً ، من رآه بديهةً هابهُ ، ومن خالطه معرفةً أحبهُ ، يقول ناعتهُ : لم أرَ قبله ولا بعدهُ مثله ) رواه الترمزي
- المُمَغَّط : الذاهب طولاً .
- المُتَردد : الداخل بعضه في بعضاً قصراً .
- القَطَط : الشديد الجعودة .
- الرَجِل : الذي في شعره حجونة ، أي تثنَّ قليلاً .
- المُطَهَّم : البادن الكثير اللحم .
- المُكلثَم : المدور الوجه .
- المُشرَب : الذي في بياضه حمرة .
- الأدعَج : شديد سواد العين .
- الأهدَب : طويل الأشفار .
- الكـَتـَدْ : مجتمع الكتفين ، وهو الكاهل .
- المَسرَبة : الشعر الدقيق من الصدر إلى السرة .
- الشَثـن : الغليظ الأصابع من الكفين والقدمين .
- تقـلــَّعَ : المشي بقوة .
- الصَبَب : الحدور .
- جليلَ المشَاشِ : رؤوس المناكب .
وروى البيهقي وغيره ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة هاجر من مكة إلى المدينة مر بخيمة أم معبد عاتكة بنت خالد الخزاعية وكانت امرأة جلدة قوية فلما غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها بعد أن حلب الشاة وشرب ومن معه ترك لها شيئاً من الحليب فلما عاد زوجها أبو معبد قال : من أين هذا اللبن ، قالت : مرَّ بنا رجل مبارك ، فقال : صفيه لي يا أم معبد ، فقالت : رأيت رجلاً ظاهرَ الوِ ضاءَة حسنَ الخُلُقِ ، ملِيحَ الوجه ، لم تعبهُ ثجْلَة ، ولم تزَر به صعلَة ، قسِيْمٌ وسيم ، في عينيه دعَجٌ ، وفي أشْفارِهِ وَطفٌ ، وفي صوته صَحَل ، أحوَر ، أكحَل ، أزَج ، أقرَن ، في عنقِهِ سَطَع ، وفي لحيته كثاثة ، إذا صمَتَ فعليهِ الوقار ، وإذا تكلَّمَ سما وعلاه البهاء ، حلو المنطق ، كلامه فصل كأن منطقه خرزات نظمٍ يتحدرن ، أبهى الناس وأجملهُ من بعيد ، وأحسنهُ من قريب ، ربعةٌ ليس بالطويل البائن ولا بالقصير ) .
- الثجلة : عظم البطن .
- الصعلة : صغر الرأس .
- الدَعَج : شدة سواد حدقة العين .
- الوطف : شدة شعر الحاجبين والعينين .
- الصحل : البحة في الصوت .
- الحَوَر : شدة بياض بياض العين وشدة سواد سوادها .
- أكـحـل : سواد في أجفان العين خِلقَةً .
- أزج : دقيق طرف الحاجبين .
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون أدعج أنجل أشكل أهدب الأشفار ، أبلج ، أزج ، أقنى ، أفلج ، مدور الوجه ، واسع الجبين ، كث اللحية تملأ صدره ، سواء البطن والصدر ، واسع الصدر ، عظيم المنكبين ، ضخم العظام ، عبل العضدين والزراعين ، والأسافل ، رحب الكفين والقدمين ، سائل الأطراف ، أنور المتجرد ، دقيق المسربة ، ربعة القد ، ليس بالطويل البائن ، ولا القصير المتردد ، ومع ذلك لم يكن يماشيه أحد ينسب إلى الطول إلا طاله صلى الله عليه وسلم ، رجل الشعر ، إذا أفتر ضاحكاً أفتر عن مثل سنا برق وعن مثل حب الغمام ، إذا تكلم رؤيَ كالنور يخرج من ثناياه ، أحسن الناس عنقاً ، ليس بمطهم ولا مكلثم ، متماسك البدن ، ضرب اللحم .
- أزهر اللون : حسنه أو أبيض .
- أنجل : واسع شق العين مع حسنها .
- أشكل : في بياض عينه قليل حمرة .
- أهدب الأشفار : كثير شعر حروف أجفان عينيه .
- أبلج : مشرق الوجه .
- أقنى : إرتفاع قصبة الأنف مع احديداب يسير فيها ، والمشهور أنه صلى الله عليه وسلم كان أشم ، أي : مرتفع قصبة الأنف مع استواء أعلاه .
- أفلج : متباعد ما بين الثنايا .
- العبل : الضخم .
- سائل : تام .
طيب عرقه صلى الله عليه وسلم :
لقد خص الله النبي صلى الله عليه وسلم بخصائص لم توجد في غيره من نظافة جسمه صلى الله عليه وسلم وطيب ريحه وعرقه صلى الله عليه وسلم فعن أنس رضي الله عنه قال : ( ما شممت عنبراً قط ولا مسكاً ولا شيئاً أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . رواه مسلم
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه : ( أنه صلى الله عليه وسلم مسح خده ، قال : فوجدت ليده برداً وريحاً كأنما أخرجها من جؤنة عطار ) رواه مسلم
ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتبركون بعرق النبي صلى الله عليه وسلم ويتطيبون به ، روى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال : ( دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عندنا - أي نام - فعرق فجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين قالت : هذا عرقك نجعله في طيبنا ) .
وذكر البخاري في تاريخه الكبير عن جابر رضي الله عنه قال : ( لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه من طيبه ) ، ولم يكن عرقه طيباً في حياته صلى الله عليه وسلم فقط بل حتى بعد وفاته ، فعن علي رضي الله عنه قال : ( غسلت النبي صلى الله عليه وسلم فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أجد شيئاً فقلت : طبت حياً وميتاً ، قال : وسطعت منه ريح طيبة فلم نجد مثلها قط ) . رواه أبو داوود وإبن ماجة
وغفر الله للقائل عند وصف النبي صلى الله عليه وسلم فأجاد وأبدع :
يغار الورد من خدي نبينــا ويخجـل بـدر تم مـن ضيـاه
كذا الدر المصفف غار لمـا تغـطـت مـن دموع وجنتـــاه
له وجـه مـلاك الحسن فـيـه يحاكي البدر في عالي سمـاه
بهي طـلـعـة فـخـم وضـيءٌ كأن الشمس تجري فـي علاه
وناظره كمـن يرنـو لشمسٍ لـشـدة نـوره العــالـي سـنــاه
أزج الحاجـبـيـن ولا اقتران لـذيــن الحـاجبيـن كـذا تــراه
بـيـاض كريمتيه نقـي مـاسٍ يـحـاط بــه كــطـوقٍ بـؤبـؤاه
ومـبـسـمـه كأزهار الأقاحي جـبـاه الـورد تـنـدى من لماه
ثـنـيـتـه كـمـثـل البـرق تلمع إذا بـانـت كــأن الـبـرق فــاه
وأطيب من غوالي المسك طراً تـعرق جسمه السـاري شـذاه
عريض المنكبين وسيع صدرٍ طـويـل الزند شـثنى راحـتـاه
عـلـيـه صلاة ربـي كـل حين يـطـيـر بها النسيم إلى ربــاه
الحياء ، والإغضاء
وأما الحياء ، والإغضاء : فالحياء رقة تعتري وجه الإنسان عند فعل ما يتوقع كراهيته ، أو ما يكون تركه خيرا من فعله . والإغضاء : التغافل عما يكره الإنسان بطبيعته .
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أشد الناس حياء ، وأكثرهم عن العورات إغضاء ، قال الله سبحانه إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق [ الأحزاب : 53 ] الآية .
[ حدثنا أبو محمد بن عتاب ، بقراءتي عليه ، حدثنا أبو القاسم حاتم بن محمد حدثنا أبو الحسن القابسي ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبدان حدثنا عبد الله أخبرنا شعبة ، عن قتادة سمعت عبد الله مولى أنس ، يحدث ] عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد حياء من العذراء في خدرها . وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه .
وكان - صلى الله عليه وسلم - لطيف البشرة ، رقيق الظاهر ، لا يشافه أحدا بما يكرهه حياء ، وكرم نفس .
وعن عائشة - رضي الله عنها - : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا بلغه عن أحد ما يكرهه لم يقل : ما بال فلان يقول كذا ؟ ولكن يقول : ما بال أقوام يصنعون ، أو يقولون كذا ! ينهى عنه ، ولا يسمي فاعله .
وروى أنس أنه دخل عليه رجل به أثر صفرة ، فلم يقل له شيئا ، وكان لا يواجه أحدا بما [ ص: 184 ] يكره ، فلما خرج قال : لو قلتم له : يغسل هذا ويروى : ينزعها .
قالت عائشة في الصحيح : لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاحشا ، ولا متفحشا ، ولا سخابا في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة ، السيئة ، ولكن يعفو ، ويصفح . وقد حكي مثل هذا الكلام عن التوراة ، ومن رواية ابن سلام ، وعبد الله بن عمرو بن العاص .
وروي عنه أنه كان من حيائه لا يثبت بصره في وجه أحد .
وأنه كان يكني عما اضطره الكلام إليه مما يكره . وعن عائشة : ما رأيت فرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قط .
وأما وفور عقله ، وذكاء لبه ، وقوة حواسه ، وفصاحة لسانه واعتدال حركاته ، وحسن شمائله فلا مرية أنه كان أعقل الناس ، وأذكاهم ، ومن تأمل تدبيره أمر بواطن الخلق ، وظواهرهم ، وسياسة العامة ، والخاصة ، مع عجيب شمائله ، وبديع سيره ، فضلا عما أفاضه من العلم ، وقرره من الشرع دون تعلم سبق ، ولا ممارسة تقدمت ، ولا مطالعة للكتب منه ، لم يمتر في رجحان عقله ، وثقوب فهمه لأول بديهة ، وهذا ما لا يحتاج إلى تقريره لتحققه ، وقد قال وهب بن منبه : قرأت في أحد وسبعين كتابا ، فوجدت في جميعها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرجح الناس عقلا ، وأفضلهم رأيا ، وفي رواية أخرى : فوجدت في جميعها أن الله - تعالى - لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقله - صلى الله عليه وسلم - إلا كحبة رمل من بين رمال الدنيا .
وقال مجاهد : [ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام في الصلاة يرى من خلفه كما يرى من بين يديه ] ، وبه فسر قوله - تعالى - : وتقلبك في الساجدين [ الشعراء : 218 ] ، وفي الموطأ عنه - عليه السلام - : إني لأراكم من وراء ظهري ونحوه عن أنس في الصحيحين ، وعن عائشة رضي الله عنها مثله ، قالت : زيادة زاده الله إياها في حجته ، وفي بعض الروايات : إني لأنظر من ورائي كما أنظر من بين يدي وفي أخرى : إني [ ص: 157 ] لأبصر من قفاي كما أبصر من بين يدي وحكى بقي بن مخلد ، عن عائشة رضي الله عنها : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرى في الظلمة كما يرى في الضوء .
والأخبار كثيرة صحيحة في رؤيته - صلى الله عليه وسلم - للملائكة ، والشياطين ، ورفع النجاشي له حتى صلى عليه ، وبيت المقدس حين وصفه لقريش ، والكعبة حين بنى مسجده .
وقد حكي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يرى في الثريا أحد عشر نجما ، وهذه كلها محمولة على رؤية العين ، وهو قول أحمد بن حنبل ، وغيره ، وذهب بعضهم إلى ردها إلى العلم ، والظواهر تخالفه ، ولا إحالة في ذلك ، وهي من خواص الأنبياء ، وخصالهم ، كما أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد العدل من كتابه .
حدثنا أبو الحسن المقرئ الفرغاني ، حدثتنا أم القاسم بنت أبي بكر عن أبيها ، حدثنا الشريف أبو الحسن علي بن محمد الحسني ، حدثنا محمد بن محمد بن سعيد ، حدثنا محمد بن أحمد بن سليمان حدثنا محمد بن محمد بن مرزوق ، حدثنا همام ، حدثنا الحسن ، عن قتادة ، عن يحيى بن وثاب ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لما تجلى الله لموسى - عليه السلام - كان يبصر النملة على الصفا في الليلة الظلماء مسيرة عشرة فراسخ ، ولا يبعد على هذا أن يختص نبينا بما ذكرناه من هذا الباب بعد الإسراء ، والحظوة بما رأى من آيات ربه الكبرى .
[ ص: 158 ] وقد جاءت الأخبار بأنه صرع ركانة أشد أهل وقته ، وكان دعاه إلى الإسلام ، وصارع أبا ركانة في الجاهلية ، وكان شديدا ، وعاوده ثلاث مرات ، كل ذلك يصرعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال أبو هريرة رضي الله عنه : ما رأيت أحدا أسرع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مشيه ، كأنما الأرض تطوى له ، إنا لنجهد أنفسنا ، وهو غير مكترث ، وفي صفته عليه السلام أن ضحكه كان تبسما ، إذا التفت التفت معا ، وإذا مشى مشى تقلعا كأنما ينحط من صبب