في مفهوم القومية ...
الحديث عن القومية حديث ذو شجون،تشدنا إليها الكتابة دوما ، وإعادة البحث و الإبحار كلما سنحت الفرصة للتعريف أكثر و اكثر بجل ما يشعر المرء به من عظمة الإرتباط، قوة الإنتماء، و ضرورة التواصل مع القوم ،قومنا أفقياً و عمودياً ،حسيا و معنويا ، فكرياً و نظريا و عملياً.. و باستمرار ...
الشعور بالقومية :هو الشعور بالإختلاف ،و الشعور بالإنفراد بسمات خاصة، و مميزات موضوعية و ذاتية ،تاريخية و جغرافية، مع أبناء الرابطة الواحدة ،والإرتقاء بالعلاقة بين الفرد و امته،وبلوغ هذا المستوى الى أعلى درجات الإنسجام و التوحد، و التعالي على مختلف أشكال التمزق و الإنقسام، و الضعف و التخلف و التجزئة .
إنه إندماج لمختلف القوى الإجتماعية في العمل من أجل المصلحة الاكبر ،هو الوعي بالانتماء للجماعة والسمو بهذا الوعي الجماعي من أجل بناء مستقبل مبني على أسس الوحدة القومية و الهوية السيادية في ظل دولة قوية.
إن هذا الزمن الذي يتسم بالقنوط و الإغتراب ، و البحث عن الهوية ،لهو أكثر حاجة و أشد إلحاحاً في البحث عن الذات المفقودة ،و الضياع القائم و الذي لا يمكن أن يتبدد إلا في وضع واحد ؛ ألا وهو الشعور بالإنتماء القومي شعورا ملازماً ،و حباً خالصاً ،و فكراً واعيا مستنيراً ، واثقاً من حتمية الإنتصار..
إن مفهوم القومية لا يأخذ بعداً واحداً بل هو متعدد الأبعاد متشعب المواقف ،و المعاني ، يشوبه الغموض و الإختلاف ،من حيث ألأسس و الخصوصيات ،داخلياً و خارجياً .
تحررياً،و سيادياً ..أو هيمنة ،و عنصرية..
القومية و العالمية:
لقد كانت القومية دوما دافعاً مهماً من دوافع التغيير ، كما انها و بنفس الوقت أظهرت أنها عامل من عوامل الحفاظ على الوضع القائم .
إن القومية شعور بالجماعة و قيَمها،و شعور بالرقي و القوة .
و لكن هل القومية شعور متناقض؟
هل هي شعور بالتعالي، و بالتالي كان لا بد من لجمها..
و شعور بالقوة يترادف مع روح العدوان و التعدي على قوميات ألأخرين؟
هل تخلق القومية شعورا مناهضا يجعلها أداة سلبية في التعاطي مع الغير،و تخلق عداءً دولياً ،و إبتعادا عن أهدافها الحية و دعواتها للسلام و الأممية و الندية، و تتحول بالتالي الى مشروع عنصري ..؟
إن السعي الى التسلط و التعالي بدافع القوة ، و البحث في كمائن الماضي ،و الدروس المستقاة من عدم الثقة بالأخر،يؤدي الى المنافسة ،و الصراع.
يمكن للقومية ان تلعب أدوارا متضادة كأن تكون عاملا من عوامل التوحد ،و القوة ، و بناء نظام يبحث عن الشرف الوطني، و التفادي في النضال من أجله ..
و تكون عدوانية تسلطية نافية للأخر ،كتلك التي وحدت ألمانيا النازية ضد أقطاب الحلفاء،أوكتلك الشيوعية- التي كانت نقيض للقومية- ،و سلاحا لتسلط العنصر الروسي ،و بعث الأمة الروسية على أسس نظرية إشتراكية و التي أدت الى تعاظم القومية الروسية و بناء الدولة البلشفية منذ عشرينات القرن الماضي .
وفي ذات الوقت القومية عاملا مضادا للحفاظ على الهوية من الهيمنة و التوسع الخارجي ،كالقوميات التي هزمت ألمانيا و التي أوقفت الزحف الشيوعي الروسي..