ثانياً : منهج الحوار وضوابطه ووسائله
أ. منهج الحوار وضوابطه:
ب. تدارس المؤتمر منهج الحوار وضوابطه من خلال الآيات القرآنية التي تتضمن دروساً حوارية بين الأنبياء وأقوامهم، وترسم ملامح الحوار المشروع، وتوضح ضوابطه ومحظوراته، كما تدارس التطبيق العملي لهذا المنهج في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والعلماء المتمسكين بهديه: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108).
وفي هذا الصدد أكد المؤتمر على ما يلي:
1. الالتزام بضوابط الإسلام وآدابه في الحوار؛ بأن يكون موضوعياً، وبالحكمة والحجة والبرهان، والجدال بالتي هي أحسن، دون إسفاف أو تطاول على معتقدات الآخرين، مما لا يرتضيه الإسلام ، ولا تقتضيه موضوعية الحوار: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (العنكبوت:46).
2. الحوار الهادف والتعايش السلمي والتعاون بين أتباع الرسالات وغيرهم لا يعني التنازل عن المسلمات، ولا التفريط في الثوابت الدينية، ولا التلفيق بين الأديان، وإنما يعني التعاون على ما فيه خير الإنسان وحفظ كرامته وحماية حقوقه، ورفع الظلم ورد العدوان عنه وحل مشكلاته وتوفير العيش الكريم له، وهي مبادئ مشتركة جاءت بها الرسالات الإلهية، وأقرتها الدساتير الوضعية وإعلانات حقوق الإنسان، فالحوار يجري وفق القاعدة القرآنية: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (الكافرون:6).
ب. وسائل الحوار وآلياته:
أوصى المؤتمرون رابطة العالم الإسلامي بالاهتمام بآليات الحوار ومؤسساته ووسائله وبرامجه، ودعوا الرابطة إلى ما يلي:
1. تكوين هيئة عالمية للحوار ، تضم الجهات الرئيسة المعنية بالحوار في الأمة الإسلامية، وذلك لوضع استراتيجية موحدة للحوار ومتابعة شؤونه وتنشيطه والتنسيق والتعاون في ذلك مع الجهات المعنية به.
وقرر المؤتمر تكوين فريق متخصص تختاره الرابطة ممن شارك فيه؛ لدراسة الخطوات اللازمة لتكوين الهيئة العالمية للحوار ووضع تصور لها يعرض على اجتماع لاحق للجهات المعنية بالحوار في الأمة الإسلامية، وكذلك متابعة ما صدر عن هذا المؤتمر.
2. إنشاء "مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي للتواصل بين الحضارات"؛ بهدف إشاعة ثقافة الحوار ، وتدريب وتنمية مهاراته وفق أسس علمية دقيقة.
3. إنشاء "جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للحوار الحضاري"، ومنحها للشخصيات والهيئات العالمية التي تسهم في تطوير الحوار وتحقيق أهدافه.
4. عقد مؤتمرات وندوات ومجموعات بحث للحوار بين أتباع الرسالات الإلهية والحضارات والثقافات والفلسفات المعتبرة ، يدعى إليها أكاديميون وإعلاميون وقيادات دينية تمثل مختلف الثقافات العالمية.
وإذ يشكر المؤتمر الهيئات الإسلامية المختلفة على ما قدمته للحوار، فإنه يدعوها إلى المزيد من التعاون والتنسيق، في تطوير الحوار واستثماره في تحقيق مصالح الأمة الإسلامية، وذلك من خلال اتباع الخطوات التالية:
- ممارسة الحوار ضمن ضوابطه وأهدافه الشرعية، وفيما يحقق المصالح العليا للأمة الإسلامية، ودراسة كافة مسائله وتأصيلها والإعداد الجيد لها وفق الأطر الشـرعية , والتحلي بآداب الإسلام في الحوار، والنأي عن التجريح والإسفاف، والوقوف فيه موقف النِّد، مع الاعتزاز بالخصوصيات الثقافية للأمة المسلمة ، وتمثيلها في اللقاءات الحوارية بما يليق بمكانتها الحضارية.
- توحيد الموقف الإسلامي من الحوار من خلال الهيئة العالمية المختصة بذلك في رابطة العالم الإسلامي ، واعتبار هذه الهيئة الملتقى التنسيقي الجامع لمؤسسات الحوار ولجانه، والالتزام بالرؤى الاستراتيجية التي تنبثق عنها.
ـ تركيز الحوار في المشترك الإنساني، والمصالح المتبادلة، والعمل على تحقيق التعايش السلمي والعدل والأمن الاجتماعي بين شعوب العالم وحضاراته المختلفة، والتصدي للتحديات المعاصرة.
- إشاعة ثقافة الحوار في المجتمعات الإسلامية والاهتمام بنشر كتبه وترجمتها، والتحذير من دعوات صراع الحضارات وانعكاساتها الخطيرة على السلم العالمي، والتعاون في ذلك مع وزارات الثقافة والإعلام والتربية في الدول الإسلامية.
- الإفادة من تجارب الحوار والسعي إلى تطويره واستثمار برامجه، بمزيد من التعاون مع حكومات الدول الإسلامية ومؤسساتها في برامجها الحوارية سعياً للنهوض بالمشروع الحواري للأمة المسلمة، واستثماره في تحقيق أهدافها.
- إعداد مجموعة من العلماء المتخصصين من ذوي الخبرة العالمية في الحوار في مختلف مجالاته وموضوعاته، وتدريبهم على المشاركة في المحافل الدولية للحوار، والمشاركة الإيجابية في اللقاءات الحوارية.
ثالثاً: مع من نتحاور ؟
تدارس المؤتمر تجربة الحوار بين المسلمين وغيرهم خلال العقود الخمسة الماضية، واستشرف آفاق مستقبل الحوار مع مختلف أتباع الرسالات والملل والثقافات، ورأى ما يلي:
- فتح قنوات الاتصال والحوار مع أتباع الرسالات الإلهية والفلسفات الوضعية، والمناهج الفكرية المعتبرة؛ تحقيقاً لعموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (سـبأ:28) ، مما يساعد على تحقيق المصالح الإنسانية المشتركة.
- الانفتاح في الحوار على كافة الاتجاهات المؤثرة في الحياة المعاصرة، سياسية وبحثية وأكاديمية وإعلامية وغيرها، وعدم الاقتصار على القيادات الدينية.
- شمول الحوار الجهات ذات المواقف المسيئة للإسلام؛ لبيان حقائق الإسلام وتوضيح المفاهيم الخاطئة التي قد تكون سبباً في إساءتهم.
وإن المؤتمر ليؤكد حاجة العالم إلى المزيد من الحوار من أجل التفاهم والتوافق على صيغ تحول دون وقوع الصدام بين الحضارات.
ويوصي المؤتمر رابطة العالم الإسلامي والمنظمات الإسلامية الرسمية والشعبية بما يلي:
- إنتاج مواد إعلامية بمختلف اللغات ونشرها؛ تفند نظريات الصراع بين الحضارات، وتبين خطرها على المستقبل الإنساني، وعقد مؤتمر دولي حول : (أخطار نظريات الصدام بين الحضارات على الأمن والسلم في العالم)، وإشراك القيادات المؤثرة، الدينية والثقافية والسياسية والأكاديمية.
- مطالبة دول العالم والمؤسسات الدولية وفي مقدمتها هيئة الأمم المتحدة بالقيام بواجباتها، في مواجهة ثقافة الكراهية بين الشعوب، ومواجهة الدعوات العنصـرية الفاسدة التي تحض معتنقيها على كراهية غيرهم والاستعلاء عليهم؛ مما يقوض الأمن والسلم العالميين، ويتنافى مع الرسالات الإلهية والمواثيق الدولية، والنظر إلى هذه الدعوات على أنها جريمة تهدد التعايش السلمي بين الشعوب.
- دعوة المسلمين في الدول التي يوجد فيها معهم مواطنون غير مسلمين بأكثرية أو أقلية متبادلة حسب الأحوال إلى إقامة حوارات لمعالجة ما قد يقع بينهم من خلافات ؛ لضمان حسن المعايشة بالسلام الاجتماعي, واعتبار الحوار الذي يحقق الوفاق الاجتماعي من أهم أنواع الحوارات .
- دعوة المسلمين في دول غير إٍسلامية إلى الحوار المستمر مع أهالي تلك البلاد,وتأكيد تحليهم بصفات المواطنة الصادقة , مع عدم التفريط في واجباتهم الدينية .
- التعاون مع حكومات الدول الإسلامية والمنظمات الإسلامية في مطالبة هيئة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان العالمية الرسمية منها والشعبية بتجريم حملات الإساءة الموجهة إلى الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم , وإصدار القرارات التي تدين الإساءة إلى الأنبياء ورسالاتهم , وتحول دون استغلال الحريات الثقافية والإعلامية بطريقة تقوض التعايش والأمن الدوليين .
رابعاً : أسس الحوار و موضوعاته
أ. أسس الحوار :
درس المؤتمر الأسس التي يقوم عليها الحوار الجاد حول المبادئ الإنسانية المشتركة، وأكد على أهمية المبادئ الإسلامية العامة للتعايش والحوار، والتي تعتبر بحق مبادئ إنسانية تسعد بها البشرية، وهي:
1.الإيمان بوحدة أصل البشر، وأنهم متساوون في الإنسانية والكرامة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1).
2. رفض العنصرية والعصبيــة، والتنديد بدعاوى الاستعلاء البغيضة، فأكرم الناس عند الله أتقاهم، وفي الحديث الشريف يقول عليه الصلاة والسلام : ((يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر؛ إلا بالتقوى)).
3. سلامـة الفطرة التي فطر الله تعالى الإنسان عليها، فالله تبارك وتعالى خلق خلْقه محباً للخير مبغضاً للشر ، يركن إلى العدل، وينفر من الظلم , وأن بُعد البشـرية وإعراضها عن هدي الله عز وجل، وهدي رسله صلوات الله وسلامه عليهم، هو السبب الرئيس لما يرزح الجنس البشري تحته من الشقاء الذي يهدد مستقبله، ولا منقذ من ويلاته إلا أن يصيخ السمع للنداء الإلهي ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً)(طـه: من الآية123-124).
ومما يشجع على حوار المسلمين مع أتباع الرسالات الإلهية السابقة أن الإسلام يعترف بها، وأن المسلمين يؤمنون بأن أساس الرسالات الإلهية التي أنزلها الله على أنبيائه واحد، وهو الدعوة إلى عبادته وحده، وأن المسلمين لا يفرقون بين أحد من رسله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء:152).
ومما يشجعهم كذلك عالمية رسالة الإسلام وإنسانية شريعته بما تفيض به من معاني البر والعدل والرحمة للجنس البشـري برمته: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107).