فنجان قهوة
زوجي لا يحب القهوة .. بل هو لا يطيق مذاقها أو يحتمل رائحتها بعكسي أنا ..
ومع هذا .. يصر دائما على ألا أشرب القهوة على الإطلاق إلا إن شربها معي
هذه العبارة .. تختصر بكل بساطة ماهية حياتي الزوجية التي مضى عليها عدة سنوات .
. بعكس جميع الرجال .. لطالما أحب زوجي التدخل في أدق أدق تفاصيل حياتي .
. يحب أن يعرف كل شيء عني مهما كانت مشاغله كثيرة .. يقلب الكتب التي أقرأها ..
يستطلع البرامج التي أشاهدها .. حتى النوع المفضل من الشوكولا لدي لم يسلم من فضوله
قد تعتبرني بعض النساء محظوظة .. إذ أن الرجل ا لذي يهتم بكل خصائص
زوجته .. ويوفر لها بضع دقائق من يومه الحافل بالمشاغل
ليعرف ما تفعله في نهارها .
. الرجل الذي يستفسر عما تحبه زوجته وتكرهه .. هو زوج نادر الوجود
إلا أن أحدهم لا يستوعب فداحة ما يعنيه اهتمام رجل كزوجي بشيء أحبه ..
زوجي يحبني .. هذا أمر مفروغ منه .. إلا أنه يحبني إلى حد كراهيته
لأن أفعل أي شيء حتى احتساء فنجان من القهوة بدونه ..
وإن وجد بأنه لا يشاركني متعة القيام بهذا النشاط ..
اتخذ قرارا دستوريا بمنع ممارسة هذا النشاط على الإطلاق ..
كالقراءة مثلا .. يعرف زوجي تماما كم أحب أن أقرأ كتابا قبل النوم ..
يظل ينظر إلي شذرا وأنا أمسك بالكتاب على ضوء الأباجورة الخافتة ..
حتى يفقد صبره .. وينتزعه مني بحجة الفضول لمعرفة ما أقرأه
طبعا .. لم يطق صبرا في يوم من الايام حتى يتمكن من فك طلاسم الكتاب ..
وهو الذي بالكاد كان يصبر على قراءة الاخبار الاقتصادية في جريدة الصباح ..
قام بعدة محاولات من هذا النوع .. وعندما فشل في مجاراتي ..
غير من استراتيجيته ..
وبدأ حملة جديدة .. حملة احتقار وتسخيف لكل ما هو مكتوب ..
إذ اتضح ( ويا للعجب ) أن كل هذه الكتب قد وضعت فقط لهدر وقت الأشخاص
السذج من أمثالي ومنعهم من القيام برسالتهم في الحياة على أكمل وجه ..
ولا داعي لأن أقول بأن رسالتي كانت في نظر زوجي .. هي إرضاءه بأي طريقة
.. وطاعته مهما كانت أوامره غير منطقية
لندع الكتب جانبا .. قد يكون محقا في شيء مما قاله ..
إلا أن فضوله وغيرته توسعت وشملت كل ما قد يشغل عقلي عنه ..
ابتداءا بأصدقائي وانتهاءا ببرامجي المفضلة .. عانيت كثيرا وأنا أحاول إقناعه
بأن محاولتي لأن أكون أنا .. دون أن تكتسحني شخصيته الرجولية المعقدة ..
لا يتعارض بالضرورة مع حبي له .. ورغبتي في إرضاءه ..
وأنه لن يحب بالضرورة كل ما أقوم به في وقت فراغي
عدما يتيح لي أولاده الفرصة
إلا أن جهودي كلها راحت هدرا .. كنت أذبل كالوردة عندما تفتقر إلى الماء
والهواء حتى قررت يوما أن أفضفض لوالدتي عن همومي .. وهي بالمناسبة ..
سيدة عصرية جدا رغم سنها المتقدم ... استمعت إلى باهتمام سرعان
ما تطور إلى ذهول وهي تسألني :- هداك الله يا ابنتي ..
ألم تسمعي يوما عن تقنية إخفاء الحقائق عن الزوج ؟
نظرت إليها مصدومة من صدور كلام مماثل كهذا عنها .. سألتها باستنكار :-
هل تطلبين مني أن أكذب على زوجي ؟
هزت رأسها قائلة :- إخفاء الحقائق لا يسمى كذبا .. أين تعيشين يا عزيزتي ؟ .
أنت ناضجة بما يكفي لتعرفي بأن الرجل مهما أحب زوجته .. فإنه يحب نفسه أكثر ..
وأنه مهما اهتم لسعادتها .. فاهتمامه بسعادته أكثر .. كل ما أطلبه منك ..
هو أن تماثليه أنانية .. أن يكون إخلاصك لنفسك .. أكبر من إخلاصك له
فكرت كثيرا بكلمات أمي لساعات بعدها .. وتذكرت ما يقوله الناس دائما عن مكر النساء ..
وأدركت بان المرأة تمكر فقط لتحمي كيانها وتحصل على حقوقها كاملة من الرجل ..
الذي مهما كان عادلا .. ومهما كان متحضرا .. فإنه سيبقى دائما رجل كهف ..
لن يتوانى عن جذب زوجته من شعرها لإدخالها كهفه بالقوة ..
وأن ما عليها فعله هو أن تجعل من كهفه هذا عالمها الخاص ..
وتجعل منه ملاذها منه قبل العالم الخارجي ..
عرفت بأن الرجل لو كان أكثر تفهما .. أكثر ديمقراطية في بيته ..
لما اضطرت امرأة أبدا للكذب
صباح اليوم التالي .. اتصل بي زوجي بعد ذهابه إلى العمل بساعات ..
قال لي برقته المعتادة :- ماذا فعلت منذ تركتك صباحا وحتى الآن ؟
قلبت صفحة الكتاب الذي كنت أقرأه وأنا أقول برقة مماثلة
دون أن تفارق عيناي السطور والكلمات ...
المتراصة أمامي ..
:- المعتاد .. ما بين أعمال منزلية .. وركض وراء الأولاد
قال بلهفة :- هل احتسيت قهوتك الصباحية ؟
:- لا .. لم أفعل بعد
:- انتظريني .. سأمر في وقت ما من هذا النهار لنحتسيها سويا
قلت بكل ما استطعت تصنعه من شوق :- سأكون في انتظارك يا حبيبي
أنهيت المكالمة .. ثم أنهيت بعدها آخر شفة من فنجان القهوة التي
لم تكن يوما أكثر لذة وقد امتزجت هذه المرة بنكهة خاصة