همك في المذاكرة في ظل بصيص ضوء أسفل عمود إنارة في الشارع والظلام الدامس يحيط به من كل اتجاه ، ولأنه صغير الحجم ضئيل البنية يخطو عليه الماشيين وقد تدهسه الأقدام وسط الظلام وقد يأخذ أحدهم العطف عليه ويمنحه جنيهاً أو بضعة جنيهات، فهو واضع بجواره مناديل ورقية للبيع .
تعجبتُ من مثابرة هذا الطفل وإصراره على النجاح والتفوق ، فهو يذاكر ويعمل في آن واحد ، ولكن صديقتي أخبرتني أنها شاهدت بجوار بيتها أكثر من طفل مثله إنها طريقة جديدة للتسول .
أسلوب جديد لأطفال الشوارع
هؤلاء الأطفال ينتشرون في "وسط البلد" أو التحرير ، خصوصاً في الشوارع المخصصة لبيع الملابس النسائية ، وهذا يعبر عن ذكاء التخطيط لأن الجمهور المستهدف من قبل هذه الأطفال أو من يخطط لهم معهم أموال لازمة لشراء احتياجاتهم وبالتالي لن يتأخروا عن مساعدة إنسانية .
اللافت للانتباه أن أحد هؤلاء الأطفال كان يجلس يؤدي عمله بهدوء وإذا فكر أحد في مضايقته يصرخ بأعلى صوته فتظهر أمه لتدافع عنه على الفور، وإذا كنت رقيق القلب قد تبكي عندما تشاهد أحدهم نائماً وهو جالس ممسكاً بالقلم والكتاب !
س.م ( 12 عاماً) أحد بنات الشوارع ، هربت من منزل أهلها بعدما اغتصبها أحد جيرانهم، فقررت الهرب من المنزل قبل أن يفضح أمرها ، وتصف حالها في الشارع قائلة : أسود أيام حياتي هي التي أعيشها في الشارع ، أبيع نفسي مقابل الأكل والمخدرات لزملائي الأولاد وحتى يدافعون عني أيضاً، فأنا لا أستطيع أن أعمل معهم في بيع المناديل في إشارات المرور ولست ماهرة في السرقة أو التسول ، أتمنى أن تنتهي حياتي كلها لأرتاح .
أ
أشكال وأجيال جديدة
الآن تغيرت أشكال وأعمار أطفال الشوارع ، حيث قل معدل متوسط أعمارهم عن التسعينيات فكانوا من 12 : 14 عاماً ليصبحوا الآن من 7:9 سنوات ومن الوارد أن نرى طفل شوارع عمره 5 سنوات بصحبة أخيه ، هذا ما أكدته الدكتورة عبلة البدري مؤسس ومدير جمعية قرية الأمل لرعاية أطفال الشوارع .
وأضافت لــ " لهــــنّ" قائلة : الآن مظهر بعض أطفال الشوارع لا يدل على طبيعتهن ولا نجدهم متسخين كالعادة بل نظاف ويرتدون ملابس جيدة، والسبب أنهم يعملون في تجارة المخدرات فيظهرون بمظهر طبيعي حتى لا يلفتون انتباه الشرطة إليهم .
مشيرة إلى أن مركز الدراسات بقرية الأمل يقوم بدراسة لبحث التغيرات التي طرأت على أطفال الشوارع منذ التسعينيات وحتى الألفية الثالثة ، وتتعرض الدراسة أيضاً إلى معرفة هل تزوج هؤلاء الأطفال ؟ هل أنجبوا ؟ وكيف يعيشون بعد كل الفترة التي قضوها في الشارع ؟
وتلفت البدري إلى أن الأسرة هي أول ما يدفع الطفل إلى حياة الشارع ، فهناك بعض أطفال الشوارع يتواجدون في الشارع نهاراً ويذهبون إلى بيوتهم مساءًا، فهناك أسر معدمة دفعها الفقر إلى إلقاء ابنها إلى الشارع ليعمل ويتسول ثم يأتي لها بالأموال في نهاية اليوم وقد قامت قرية الأمل بمنح هذا النوع من الأسر قروضاً صغيرة بضمان وجود الطفل فيها ، وبالفعل تم لم شمل الأسرة وكانت الأم هي الأكثر إصراراً على سداد القرض واستثماره في مشروعات تحسن من دخل الأسرة .
وتتابع : هناك نوع آخر من الأسر فيها تفكك أسري بعد انفصال الأم والأب ، حيث أصبح لكل منهم شريك جديد وحياة مختلفة ولا يريد الاحتفاظ بهذا الطفل ، وقد يقولها له صراحة أو يجبره على اختيار الشارع بالمعاملة السيئة.
وعن تعامل قرية الأمل مع هؤلاء الأطفال في هذه الحالة تقول د.عبلة : نحن نجمع أطفال الشوارع وندعوهم لقضاء اليوم معنا ونقدم لهم كل ما يحتاجون من مأكل ومشرب ونوم أيضاً ولا نسألهم في البداية عن أسباب هروبهم على الشارع حتى يطمئنوا لنا ، فالطفل الأقل من 9 سنوات نلحقه بالتعليم ، ولو أكثر من 9 سنوات يلتحق بمحو الأمية والورش الإنتاجية ، بحيث أنه عندما يكبر ويبلغ سن الانفصال عنا يستطيع مواجهة الحياة
أطفال خارج الحماية
أوضحت دراسة "أطفال خارج إطار الحماية"، التي أصدرها المجلس القومي للطفولة والأمومة بالتعاون مع اليونيسيف، بهدف التعمق في حال أطفال الشوارع في القاهرة الكبرى ، أن هناك تبايناً كبيراً في أنماط التواجد بالشارع . مشيرة إلى أن الشارع محيط اجتماعي يوفر لهم فرص العمل والكسب واللعب والترفيه، ويحقق لهم غريزة حب الاستطلاع.
وأكدت الدراسة أن كل هذه المغريات المتواجدة بالشارع تصاحبها مشكلات ومخاطر يتعرضون لها من مطاردة الشرطة لهم من الشباب كبار السن بالشارع فالعنف سمة من سمات الحياة بالشارع . هذا بالإضافة إلى الممارسات الخطيرة التي ينخرطون فيها من ممارسات جنسية و تعاطي مخدرات وغيرها .
أرقام هامة
* يشير تقرير الهيئة العامة لحماية الطفل إلى أن أعداد أطفال الشوارع وصلت فى عام 1999 إلى 2 مليون طفل، وفي تزايد مستمر .
* تشير إحصائيات الإدارة العامة للدفاع الاجتماعي إلى زيادة حجم الجنح المتصلة بتعرض أطفال الشوارع لانتهاك القانون، حيث كانت أكثر الجنح هي السرقة بنسبة 56%، والتعرض للتشرد بنسبة 16.5%، والتسول بنسبة 13.9%، والعنف بنسبة 5.2%، والجنوح بنسبة 2.9%.
* تؤكد دراسة يمينة أن الفئة العمرية لغالبية أطفال الشوارع ما بين 6- 14 سنة, وتغلب على هذه الظاهرة الصفة الذكورية، حيث تتراوح نسبة الذكور إلى الإناث 70 : 30 %.
في رأيك ما هي أسباب زيادة ظاهرة أطفال الشوارع، وما مخاطرها على المجتمع ؟ شاركونا الحوار