--------------------------------------------------------------------------------
الشخصية العربية في الأدبيات المعادية للأمة العربية
من أدبيات الحروب الصليبية وتراث الاستشراف إلى المستعربين إلى فضائيات العصر الذي نعيشه لا يتوقف الغرب عن إنتاج أكثر الصور سلبية وتشويها عن العرب والشخصية العربية .
وسواء تميزت علاقات الغرب والعرب بالتعاون وتبادل المصالح من دول وصفت بالاعتدال أو بالتوتر والمواجهة من دول أخري ، فان هناك صورا جاهزة في إطار جاهز عن الإنسان العربي لا يكف عن استنساخها وتكرارها في كل حين لتقديمها إلى الرأي العام في الغرب أو حتى إلى الإنسان العربي نفسه عن طريق الفضائيات والأفلام ، هذه الصور تقدم بإشكال تفرض علي المستهلكين أين ما كانوا التسليم التماهي التام للأحكام والتصورات السلبية التي تمررها مختلف وسائل الاتصال عن الأمة العربية .
والمتتبع لبعض الفضائيات عربية الظاهر وغربية المحتوى أنها تقدم مادة جد خطيرة للمشاهد العربي محاولة قلب المعايير وتغيير مفاهيم المشاهد المستمتع بالفيلم ، فهي تظهر اليهودي بالمظهر المضطهد المسكين والذي يستحق الشفقة والتعاطف ، وان أمريكا هي التي دائما تظهر لانقاد الناس من الظلم والاضطهاد أينما كانوا علي ظهر الأرض والفضاء أيضا .
ولأن الصراع العربي الصهيوني منذ بداياته يشكل صراع وجود وعبر عن تناقض جوهري بين مشروعين قوميين ، فإن الحركة الصهيونية عبأت صحفييها وباحثيها ومفكريها لمحاربة الإنسان العربي إعلاميا وثقافيا وتوجيه كل النعوت الانتقامية لشخصيته وسلوكه ونمط تفكيره ، فهو متخلف عقليا وهمجي وشاذ ومناهض للتقدم .
ويستطيع الإنسان العربي أن يشاهد صورته من خلال وسائل الإعلام الغربي والتي تؤكد ما قلناه تماما فهو في أدبها وأفلامها تشخيص لكل ما هو سيء ومتخلف ، فهو لا يزال يركب الجمل ويعيش في الخيام وحوله النساء والجواري ويشرب الخمر وهو مخادع غادر يبحث عن المتعة بأي شكل وأي صورة كانت .
وهذا الهجوم الصهيوني الغربي على الشخصية العربية له خلفيات واليات وأساليب منهجية ودراسات جادة من طرفهم تخدم تطلعاتهم وتوجهاتهم .
فعلى سبيل المثال والتذكير فقد قام جرجي زيدان بكتابة التاريخ العربي الإسلامي عن طريق سلسلة من القصص غلفت بالحب والمحبين لجذب الشباب وضخ فيها كل الصور السيئة عن الإنسان العربي المسلم حتى قال في احدي رواياته وهي رواية فتاة غسان أن العربي كالكلب إن تجوعه يأكلك .
وهناك الكثير من الكتب التي صدرت في الغرب حول نفس الموضوع وهي واسعة الانتشار عندهم وذات تأثير كبير والأخطر انها تدرس في الجامعات وتقدم في وسائل الإعلام وتنشر ف طبعات شعبية حتى يقتنع الغربي بما تعرضه من أراء وأحكام ومواقف عن الإنسان العربي .
كما ان هذه الكتب يعتمد أصحابها علي تكوين علمي متعدد المنابع والاختصاصات ، ولذلك فالكتب تتغلف بالعلم وترتدي لباس المعرفة مما يجعلها أكثر خطورة ، وبذلك لا تكون الصهيونية قد شوهت الماضي وكسبت الحاضر فقط ، وإنما هي تقطع علي الأمة العربية المستقبل ، بمعنى أن العربي الذي يستولي علي النفط وتمتد رقعته علي ارض غنية بخيراتها وله شواطئ المتوسط الجنوبية والغربية هو إنسان جامد متخلف عقليا قاس لا يعرف الرحمة والإنسانية ولا يقيم لها وزنا وهو شهواني سكير يكره التقدم ويقاومه ويكره الغرب ويعاديه بطبيعته لان الغربي نقيضه تماما ، فلذلك لا داعي لبقائه أو تحكمه في مصادر الطاقة والخيرات بل يجب نزعها منه لصالح البشرية واستعماره لتطويره ويكون إنسانا متحضرا ، وبذلك وجب أيضا علي كل غربي أن يدعم الصهيونية في جهودها في (تحرير !) المنطقة من السيطرة والعقلية العربية ، وان يشعر الغربي براحة الضمير عندما يري الآلة العسكرية الصهيونية تقتل العربي الفلسطيني العربي ، أو العربي أينما كان .
فالذي يقوم بالقتل هم الإسرائيليون الأذكياء والمثقفون الديمقراطيون الحاملين لحضارة الغرب والناشرون لقيمه والحارسون لمصالحه ضد شراسة العربي الغدار المخادع الجامد .
كما أن بعض المستشرقين يرون أن التخلف العربي راجع إلى طبيعة الدين الإسلامي نفسه كدين جامد لا يقبل تطورا أو تغيير كما يرجع ذلك الي عوامل اجتماعية مرتبطة بالدين نفسه .
وهكذا فان الفكر الصهيوني قلب المنطق الاستشراقي مؤكدا على أنه ( ليس جمود الإسلام وقدريته سبب تخلف العرب ، بل طبيعتهم الجامدة الثابتة الغير قابلة للتطور ، هي السبب أيضا في كون دينهم جامدا ومجتمعهم راكدا ).
كما ان فقر العرب وتخلفهم نتيجة الظروف التاريخية بل هي طبيعتهم المعادية للعلم والتفكير الموضوعي هي السبب .
إذن عيوب العرب ونقائصهم ليست ذات صلة بالظروف التاريخية انما هي ( طبيعة ثابتة في فطرة الشخصية العربية ) .
وهنا يكون اكتمال الأدوار بين الجانبين الغربي والصهيوني في تحطيم الصورة الإنسان العربي علي صعيد شخصي وديني .
إن تفاصيل المؤامرة ترمي إلى تغير المفاهيم عند أمة العرب والإسلام وتهدف إلى تركيع هذه الأمة وتدمير كيانها والقضاء علي ما تبقي من الأقطار التي ترفض السقوط والاستسلام وما تكسير العراق وحصار غزة وحرب أفغانستان ومحاولة تكسير السودان وتقسيمها وحصار الجماهيرية لسنوات (والحبل على الجرار) إلا حلقات تسعي الدوائر الصهيونية الغربية فرضها علي العالم العربي ولن ينفع دول الاعتدال اعتدالها بالمفهوم الأمريكي حين تدور عليهم الدوائر .