الإعجاز العلمي
هو ذلك العلم الذي يبحث في معجزات القرآن الكريم
والسنة النبوية المطهرة والتي لم تظهر إلا حديثاً في عصر العلم.
فالله تبارك وتعالى أنزل القرآن ليكون كتاباً صالحاً لكل زمان ومكان، وأودع فيه من الحقائق العلمية ما يعجز البشر عن الإتيان بمثله.
فالقرآن يتميز بأسلوبه الرائع والمختصر في عرض الحقيقة العلمية،
وفي كلمات قليلة نجد حقائق علمية غزيرة، وهنا يكمن الإعجاز.
هذه الحقائق والتي تتجلى في عصرنا هذا
لم تكن معروفة لأحد زمن نزول القرآن.
ولكن اكتشافات العلماء أظهرت هذه المعجزات.
ولابد أن يكون هناك ضوابط لهذا العلم
لنبقى بعيدين عن الأخطاء كما يحدث في بعض المقالات
التي نجد أصحابها يبالغون فيها
ويبتعدون كثيراً عن معنى الآية.
ومن أهم هذه الضوابط أو الأسس:
1- يجب أن نعلم ونستيقن لدى البحث في إعجاز القرآن
من الناحية العلمية أن العلم تابع للقرآن، وليس العكس.
فالباحث في الإعجاز العلمي ينبغي عليه
أن يعطي ثقته لكتاب الله أولاً،
ثم يبحث في كتب ومؤلفات وتجارب البشر
عن حقائق علمية تتوافق مع الحقائق القرآنية.
2- ينبغي أن ندرك بأن تفسير ودلالات آيات الإعجاز العلمي
تتطور مع تقدم العلوم دون أن تتناقض مع العلم،
وهذه معجزة بحدّ ذاتها أنك تجد الحقائق العلمية
التي تحدث عنها القرآن مفهومة وواضحة لكل عصر من العصور.
بينما مؤلفات البشر تصلح لعصرها فقط.
وهذا يدفعنا لمزيد من البحث عن دلالات جديدة
لآيات القرآن العظيم.
3- بما أن الله تعالى قد أنزل القرآن باللغة العربية
فيجب علينا ألا نخرج خارج معاني الكلمة في قواميس اللغة،
وإذا لم نستطع التوفيق بين الآية القرآنية
وبين الحقيقة العلمية، فنتوقف عن التدبر العلمى للآية
حتى يسخّر الله لهذه الآية من يتدبرها علميآ
ويقدم لنا التفسير الصحيح للعلم اليقيني.
وهذا يدعونا إلى الحذر وعدم التسرع
وألا نقول في كتاب الله برأينا،
بل يجب أن نستند إلى التفسير واللغة والدعاء بإخلاص،
لأن كشف معجزات القرآن هو عطاء من الله تعالى.
ويجب أن يكون عملنا هذا خالصاً لوجه الله
لا نبتغي به شيئاً من عرض الدنيا.
إذا توافقت نظرية ما مع القرآن فهذا يعني أن النظرية صحيحة،
وإذا خالفت هذه النظرية نص القرآن الكريم
فهذا يعني أن النظرية خاطئة، أي أن القرآن هو الميزان،
وليست النظريات العلمية.
لأننا نعلم في العلوم التجريبية أنه لا توجد حقائق مطلقة أبداً.
بل إنك تظن أحياناً أن هذه النظرية صحيحة مئة بالمئة
ولكن بعد سنوات يأتي من يكتشف أن هنالك نقص
أو خلل في بناء هذه النظرية.
بينما في كتاب الله عز وجل،
مهما تقدم الزمن ومهما تطور العلم
فإنك لا تجد أي تناقض
أو خلل أو نقص في البناء القرآني العلمي.
4- أن تكون الحقيقة العلمية غير معروفة زمن نزول القرآن
من قبل البشر. وأن القرآن قد سبق العلماء
إلى الحديث عن هذه الحقيقة. وهنا تكون المعجزة أقوى،
ولكن لا يمنع أن نجد بعض الحقائق العلمية
المذكورة في القرآن والتي كان الناس يدركون شيئاً منها قديماً،
مثل فوائد العسل، فهذا الأمر معروف منذ آلاف السنين،
فجاء القرآن وأكَّده وهذا نوع من أنواع الإعجاز،
إذ أن البشر في ذلك الزمن
لم يكونوا قادرين على تحديد الصواب من الخطأ،
والتمييز بين الأسطورة والحقيقة.
ولكن القرآن تحدث فقط عن الحقائق الصحيحة،
ولو كان القرآن كلام بشر لامتزج فيه الحق بالباطل،
واختلطت الأساطير بالحقائق.
5- بالنسبة للإعجاز العلمي في السنة النبوية،
فيجب أن يكون الحديث الشريف صحيحاً، أو بمرتبة الحسن،
ولا يمكن الاعتماد على الأحاديث الضعيفة،
إلا إذا توافقت مع العلم الحديث.
فالحديث الضعيف لا يعني أنه غير صحيح!
إنما هنالك احتمال قليل لصحته، بحيث يكون له توابع وشواهد من أحاديث أخرى يعني من مشكاة النبوة
ولذلك يجب عدم إهماله في البحث العلمي.
6- يجب أن يعلم من يبحث في إعجاز القرآن
أن خير من يفسر القرآن هو القرآن نفسه،
ثم يأتي بعد ذلك أحاديث الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام،
ثم اجتهادات الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم،
ثم من تبعهم من العلماء والأئمة الثقات
رحمهم الله ورضي عنهم جميعاً.
7- كما ينبغي الإحاطة بدلالات الآية ومعانيها المتعددة
وألا نخرج خارج قواعد اللغة العربية
ولا نضع تأويلات غير منطقية بهدف التوفيق بين العلم والقرآن،
بل يجب أن نعلم بأن المعجزة القرآنية
تتميز بالوضوح والتفصيل التام،
ولا تحتاج لالتفافات من أجل كشفها.
يقول تعالى:
(الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)
[هود: 1]
8- ينبغي أن نعلم بأن المعجزة العلمية
هي هدف وليست غاية لحد ذاتها،
فهي هدف للتقرب من الله تعالى وزيادة اليقين به وبلقائه.
ونتذكر قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام.
يقول تعالى:
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى
قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي
قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ
ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا
ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
[البقرة: 260].
سؤال:
ما هو العمل إذا حدث تناقض بين القرآن والعلم
قبل كل شيء يجب أن نعلم بأن الذي أنزل القرآن
هو نفسه الذي خلق الكون،
فلا يمكن أبداً أن يخلق الله شيئاً
ثم يتحدث عنه في القرآن بشكل يخالف حقيقة هذا المخلوق.
إذن عندما نفهم الحقيقة الكونية
ونفهم الحقيقة القرآنية فهماً صحيحاً
فسوف نجد التطابق التام.
بل إن وجود تناقض أو اختلاف
بين الحقيقة العلمية الثابتة والواضحة
وبين آية من آيات القرآن
يعني أن الحقيقة العلمية فيها شك أو غير صحيحة
لأن العلم يجب أن يطابق القرآن!
وإذا رأينا الآية تتطابق تماماً مع العلم
فهذا يعني أن الآية صحيحة ومنزلة من عند الله تعالى،
وهذا ما تحدث عنه الله بوضوح عندما قال:
(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ
لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)
[النساء: 82].
ولكننا قد نجهل التفسير الدقيق للآية القرآنية
فلا يجوز لنا أن نحمّل الآية غير ما تحتمله من الدلالات
والمعاني، وأن نبني عقيدتنا على لغة الحقائق العلمية.
ولكن إذا كانت النظرية العلمية تتفق مع القرآن تماماً
فيمكن الاستئناس بها،
أما إذا خالفت القرآن بشكل صريح
فلا يجوز لنا أن نعتقد بصحتها
سؤال: ما هي فوائد الإعجاز العلمي؟
1- زيادة الإيمان لدى المؤمن.
2- إقناع الملحدين بصدق القرآن العظيم،
وأن التوافق بين العلم والقرآن
هو دليل وبرهان مادي ملموس في عصر العلم
على أن القرآن لم يُحرّف
وأن الله قد حفظه كما نزل منذ 1400 سنة.
3- إن الإعجاز العلمي وسيلة لتوسيع مدارك المؤمن
وزيادة معرفته العلمية، ولكن على أساس إيماني،
وليس كما يقدمها لنا الغرب على أساس من الإلحاد.
فهم يردون كل شيء للطبيعة،
ونحن ينبغي أن نصحح هذه العقيدة
فنرد كل شيء لله القائل:
(اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)
[الزمر: 62].
4- الإعجاز العلمي وسيلة للدعوة إلى الله تعالى
وتعريف غير المسلمين بهذا الدين الحنيف.
5- إظهار عظمة القرآن وعظمة الأحاديث الشريفة،
وأن القرآن يحوي جميع العلوم.
سؤال:
لماذا لا نكتشف هذه الحقائق قبل الغرب؟
هذا السؤال يتكرر كثيراً،
فالقرآن مادام يحوي كل هذه الحقائق العلمية
فلماذا لا نكتشفها نحن المسلمون ونسبق الغرب إليها،
وأقول: إن السبب هو تقصيرنا وإهمالنا لكتاب الله وللبحث العلمي.
والدليل على ذلك أن أجدادنا رحمهم الله
عندما تدبروا القرآن وعملوا بما فيه
واستجابوا للتعاليم الإلهية التي تأمرهم أن يسيروا في الأرض
ويفتشوا عن أسرار الخلق،
صنعوا أعظم حضارة علمية في التاريخ،
وهذا باعتراف الغرب نفسه.
وإنني أرى بأن أفضل طريقة للنهوض بأمتنا
أن نلجأ إلى كتاب الله وسنة نبيه،
وأن نبني علومنا على أساس إيماني،
والله تعالى يعطي من يشاء من فضله فهو القائل:
(قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)
[البقرة: 73-74].