بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ولا عدوان إلا على الظالمين واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ما ترك خيرا إلا ودلنا عليه ولا شراً إلا وحذرنا منه صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين
أيها الإخوة والأخوات تعالوا نتدبر قول الله عز وجل (32 فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ 33 يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ 34 وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ 35 وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ 36 لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ 37)
إنَّ هذا المشهد الحيَّ بما فيه من حركةٍ وصوت وذهولٍ وبما يُوحي به من الفزع والحيرة والخوف على النفس إنه ليدعوا أهل العقل والحكمة إلى التأمل في الدلائل التي بينت هذه الآية الكريمة في تفصيل بعض أحوال يوم القيامة التي توجب الفزع وتبعث على الخوف من هذا اليوم العظيم إنه يوم الفزع الأكبر
((يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ))
إنه اليوم الذي يرى فيه المرء أحب الناس إليه وأقربهم منه يرى فيه أخاه ويرى أمه وأباه وزوجه وبنيه ولكنه يفرُّ منهم ويبتعد عنهم لأن الهول عظيم والخطب جليل إنه اليوم الذي يقول فيه عيسى بنُ مريم عليه السلام : لا أسألهُ اليوم إلا نفسي لأسأله مريم التي ولدتني إنه اليوم الذي يقول فيه الوالدُ لولده :
يا بني أيَّ ولدي كنت لك ؟
فيُثني الولد بخير فيقول له يابني إني احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أنجو بها ممَّا ترى فيقول ولده : يا أبت ما أيسر ما طلبت ولكني أتخوَّف مثل الذي تتخّوف فلا أستطيع أن أُعطيك شيئا إنه اليوم الذي يلقى فيه الرجل زوجته وقد أحسن إليها في الدنيا فيقول لها : إني أطلب إليك اليوم حسنة واحدة تهبينها لي لعلي أنجو ممَّا ترين فتقول ما أيسر ما طلبت ولكني لا أطيق أن أُعطيك شيئا أتخَّوف مثل ما تخاف
إن أحداً لا يُغني عن احد شيئا في هذا اليوم إن كل إنسان مسؤول عن عقيدته وعن عمله وعن قوله وعن ماله وعن علمه وقد نبَّه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذا منذ فجر الإسلام حين قال صلى الله عليه وسلم ((يا فاطمة بنت محمد –اعملي – فإني لا أُغني عنك من الله شيئا )) يحذر عليه السلام أقرب الناس إلى قلبه حتى لا يغتر أحد بنسب أو حسب أو جاه او مال حتى ولو كان القريب رسولاً من رسل الله المقربين ((فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُون))
إنَّ أمر الساعة جدُ عظيم فطوبى لمن وعظ فاتَّعظ ونُبه فتنبه ولقد عظَّم الله عز وجل شأن القيامة وأقام عليها البراهين وضرب لها الأمثال وصَّور أهوالها وشوق إلى نعيمها لئلا يكون لأحد عذر ولا لعبد حجة إنها الحاقة أي الآتية من غير شك وفيها يصير كل إنسان حقيقا بجزاء عمله
وإنها القارعة التي تقرع الناس بأهوالها وشدائدها وإنها الطامَّة الكبرى وإنها الصاخة وإنها الجاثية إنه في هذا اليوم الذي
((يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ 34 وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ 35 وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ 36 لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه))
أيها الأخوة والأخوات ماذا أعددنا لهذا اليوم هل فكرنا فيه هل تأملنا ذلك اليوم هل حاسبنا أنفسنا هاهو عام انقضى وكم أعوام أنقضت ونحن نركن لدنيا زائلة دنيا فانية ليس لها قرار وإنما هي معبر للآخرة فلنبادر من الآن فلنشمرعن الساعد ونبدأ عام جديداسجله مليء بالحسنات فمن كان منا مقصرا فليحذر ومن كان على هدى فيزداد ولا يغتر بعمله وكلما دعتك نفسك للمعصية تذكر ذلك اليوم كلما همت نفسك بذلك تذكر يوم القيامة والعبور على الصراط والوقوف بين يدي الرحمن فأسأله سبحانه بمنه وكرمه أن يُنجينا من ذلك اليوم ويهونه علينا فأسأله سبحانه السلامة والتثبيت بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة
اللهم ارحمنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض
اللهم تجاوز عن سيئتنا واغفر لنا ما أسررنا وما أعلنا وما أنت اعلم به منا أنك على كل شي قدير
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته