وفي يوم من الأيام وبعد صلاة الظهر وفي مكتب القضاء ومجلس الحكم وإذا بشاب من الشباب لم يتجاوز العشرين ، يستحي المرء أن ينظر إليه من شدة جماله وأناقته والجند من حوله والقيود في يده ، عليه التعب والنكد والحزن والأسى ، أخذت أتصفح الأوراق ثم سألته السؤال الأول : هل كنت محافظاً على الصلاة بل هل صليت الظهر والفجر ؟ فأجاب بلا . فقلت والله يقول ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) .
ثم سألته أخرى ماذا صنعت ؟ قال في الساعة العاشرة صباحاً اتصل بي اثنان من زملائي تعرفت عليهم في ملعب الكرة وفي هذا اليوم لم أذهب للمدرسة ، وتواعدنا أن يكون اللقاء في السوق ، فالتقينا واتفقنا على سرقة محل مجوهرات ، فسرقوا وهربوا وبقيت أنا فأمسكني صاحب المحل وقال أنت السارق وزملاؤك .
فقلت لست بالسارق إنما هم الذين سرقوا ،خذ هذا المبلغ وبطاقتي وسأذهب إلى البيت وأكمل المبلغ .
فرفض واتصل على الشرطة وهذا الذي حدث وها أنا بين يديك ، فقلت له هذه نهاية أصدقاء السوء !!
قال لم أكن لأعلم . قلت : إذاً علمتَ الآن والطيور على أشكالها تقع. قال: إنهم هم السبب ماذا سيكون مصيري !!؟ هل سأذهب للسجن مرة أخرى ؟ أمي تنتظرني الآن في نهاية الدوام ، ماذا سأقول لها ؟ أنا أكبر أخوتي وهم ينتظرونني على الغداء ؟ والدي توفي وأنا المسؤول عنهم ؟
هل سأعود إلى المدرسة ؟
ثم جلست معه قليلاً وساررته بحديث النصح والتوبة ولعلها تكون عبرة وعظة وإذا به يسمع له أنين وأزيز .
وإذا بآخر يؤتى به كالأول أقل منه سناً أمره باختصار يقول : تركت الدراسة ولم أستطع السير فيها ، عملت في إحدى الشركات لكن الراتب قليل فتركتها ووالدي ميت وأنا أصرف على عائلتي . وقبل ليالي كنت في إحدى السهرات وفي إحدى المنتزهات تعرفت أنا وأصدقاء لي على شخص ، فبدأ الحديث بيننا إلى الساعة الثالثة ليلاً ثم طلبنا منه أن يوصلنا إلى بيوتنا وبينما نحن راجعون وإذا برجال الأمن يلاحقوننا ثم اصطدمنا في إحدى المحلات التجـارية ثم هرب كل واحد منا في اتجاه وسقطت المحفظة مني فتعرف رجال الأمن علي مـن خلالها .
فقلت له : ما الذي جعلك تسهر إلى آخر الليل ؟ قال وماذا أصنع ليس عندي ما يشغلني ، حياتي فراغ ، نوم وسهر فقلت : لو كان لك أبناء هل سترضى بسهرهم إلى الليل في المنتزهات ؟قال :لا . قلت أمك كانت تؤمل فيك الخير بعد الله وأنت رجل البيت بعد والدك رحمه الله ؟ ماحال أمك الآن وماذا ستصنع وأين ستذهب ؟ إنك متهم بترويج المخدرات . لأن صاحب السيارة مروج للمخدرات .
قال : لا أعرفه أنا بريء . قلت هذا كلام كل المجرمين يرددونه ويقولونه . هذه نهاية الفراغ والسهر في المنتزهات وأصدقاء السوء فما عليك إلا التوبة والإقبال على الله ، أكثر من الصلاة والاستغفار فربما تموت وأنت في السجن فلعلك تموت وأنت على توبة . قال : هو درس وعبرة لي في حياتي لن أعود ..
ياأيها الشباب : عبر تثار وعبرات تسيل ودمع غزير .. فهل من متعظ ومعتبر.. ؟
لكن مازال في الزوايا خبايا وفي الرجال بقايا ، أعرج على ذكرهم ولو بشيء قليل فلعل القلوب تحيا بذكرهم وينبعث الأمل في النفس فتبدأ الطريق من جديد وإذا بشاب يبلغ من العمر ثمان سنين يحفظ القرآن ومعه خمسمائة حديث ثم يقوم أمير المنطقة ويعطيه مبلغاً من المال وينزع الأمير ساعته ويعطيه إياها وآخر في المتوسطة يتفاعل لقضية البوسنة فيجمع من أقاربه وغيرهم ما يزيد على خمسة آلاف ريال.
وآخر لم يتجاوز العاشرة يقوم فيعظ الناس في آخر ليلة من رمضان فيجهش الناس بالبكاء .
ياأيها الشباب : هذه نماذج من كثير وكثير من بيننا ليسوا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفعلوا محالاً ، اختاروا الأعلى على الأدنى ، اختاروا الآخرة على الدنيا ، إنهم جاهدوا شهواتهم وغرائزهم ، أحبوا الله فأحبهم الله ورضي عنهم فأحبهم الخلق فكانوا موفقين ، أعانهم الله على أمور دينهم ودنياهم ، فما أغلق دونهم باب إلا وفتح لهم ألف باب { ومن يتق الله يجعل له مخرجاً } { ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً } .
هذا السبيل فأين يذهب من أبى *** أو ليس نور الله قد كشف الدجى
قال صلى الله عليه وسلم { من قال سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر } وقال صلى الله عليه وسلم {من صلى لله اثنتي عشرة ركعة تطوعاً في يومه وليلته بني له بهن بيت في الجنة } رواهما مسلم .
وإلى لقاءٍ آخر في الصراحة إن شاء الله يسره الله بمنه وكرمه وصلى الله وسلم على نبينا محمد