خضعت العلاقات الجزائرية التونسية خلال الفترة الاخيرة لما يشبه بعمليات المد و الجزر لكنّها لم تصل الى حدّ القطيعة كما هو الشأن في العلاقات الجزائرية- المغربية.
وتعود خلفية الخلافات التونسية – الجزائرية الى الحقبة الاستعمارية الفرنسية، حيث كان الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة وبعد أن تولىّ رئاسة الحكومة التونسية في 1956 يدعو قادة الثورة الجزائرية الى الكف عن الثورة والعودة الى الهدوء في ظل فرنسا، وعندما قام بزيارة الى واشنطن في تلك الفترة طلب منه الرئيس الأمريكي ايزنهاور بالقيام بدور المهدّئ للثورة الجزائرية مقابل مساعدات اقتصادية أمريكية، وطلب ايزنهاور من بورقيبة أن يقنع الثوّار الجزائريين بالعودة الى السلم والعيش في كنف فرنسا، ووعد بورقيبة ايزنهاور بالقيام بهذا الدور و محاولة اقناع الجزائريين بوقف القتال كما فعل هو في تونس عندما قبل بالاستقلال الذاتي، وكان أول تصريح لبورقيبة في البيت الأبيض قوله : نحن مع الغرب وسنظل معه لا بحكم موقعنا الجغرافي فقط بل بحكم ثقافتنا وتقاليدنا!
وتبينّ لدى عودة بورقيبة من أمريكا أن واشنطن كلفته بالتحرك من أجل اقامة حلف عسكري يضم أقاليم الشمال الافريقي – المغرب العربي – وفرنسا وايطاليا واسبانيا وترعاه أمريكا وبريطانيا ويكون مكمّلا للحلف الأطلسي، وتجدر الاشارة الى أنّ هذا الطرح مازال قائما وتروّج للفكرة تونس حيث تعرض الرئيسان التونسي زين العابدين بن علي والجزائري عبد العزيز بوتفليقة الى المشروع الأمريكي القاضي بتأسيس شراكة أمريكية _ مغاربية.
وحاول بورقيبة جاهدا اقناع قادة الثورة الجزائرية بالمشروع وعلى مدى ثلاثة أسابيع بعد عودته من واشنطن ظلّ على اتصال بقادة الثورة الجزائرية و الساسة في المغرب العربي ولماّ لم ينجح في مشروع اطفاء الثورة الجزائرية و لا في مشروع الحلف مع أمريكا راح وحده يغرّد خارج السرب وكان يردد : ياليت تونس تقع بمنأى عن موقعها الجغرافي الحالي، ياليتها تقع في شمال العالم على مقربة من الدول الاسكندينافية.
وزاد في التشويش على العلاقات الثنائية بين تونس والجزائر احتضان الجزائر لبعض الشخصيات المعارضة للحبيب بورقيبة وحكمه، كما أن وقوف بورقيبة الى جانب المغرب في قضية الصحراء الغربية أدىّ الى انزعاج كبير من طرف هواري بومدين الذي وضع كل ثقل الجزائر في قضية الصحراء الغربية ومعروف أن هواري بومدين كان وراء تأسيس جبهة البوليساريو.
و عندما تولى الشاذلي بن جديد الحكم في الجزائر في 1980 كان الاتحاد المغاربي في طور التأسيس الأمر الذي أدى نسبيا الى اعادة تصحيح العلاقة بين الجزائر وتونس، لكن سرعان ما تغيرّت الأوضاع بعد خريف الغضب الجزائري في 5 أكتوبر 1988 حيث أضطّرت السلطة الجزائرية الى تغيير أسلوبها السياسي وأطلقت مشروع التعددية السياسية الذي بموجبه تأسست الأحزاب السياسية في الجزائر من وطنية واسلامية وبربرية، وترافق هذا التغير الجزائري مع تغيّر أخر في تونس تمثلّ في الانقلاب الذي قاده الجنرال زين العابدين بن علي على الرئيس السابق الحبيب بورقيبة في تشرين الثاني – نوفمبر 1987، وكان بن علي منزعجا كل الانزعاج من السلطة الجزائرية التي منحت الاعتماد للجبهة الاسلامية للانقاذ وقد أوصل انزعاجه هذا الى الرئيس الشاذلي بن جديد وطالبه بحلّ جبهة الانقاذ لأن وجودها في الجزائر من شأنه أن يحرج السلطة التونسية مع حركة النهضة التونسية التي حظرت في تونس وزجّ بكل قيادييها في السجن، و أرتفعت حدّة التوتر بين الجزائر وتونس عندما أقام زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي في الجزائر العاصمة وظلّ يتردد على الدكتور عباسي مدني ورفاقه من قادة الجبهة الاسلامية للانقاذ، وقد أرسلت تونس رئيس وزرائها حامد القروي الى الجزائر للطلب رسميا من الجزائر بتسلّم راشد الغنوشي المحكوم عليه بالاعدام في تونس مع مجموعة من قياديي حركة النهضة التونسية، وغادر الموفد التونسي الجزائر خالي الوفاض لأنّ الرسميين في الجزائر كانوا يتصورون أنّ خطوة من هذا القبيل من شأنها تفجير الشارع الاسلامي الذي كان يغلي في الجزائر، وتبع الغنوشي الى الجزائر عشرات من أنصار النهضة وكوادرها وارتابت السلطة التونسية في الأمر حيث تخوفت من عودة المارد النهضوي الى تونس من البوابة الجزائرية، و قد نشرت صحيفة البديل التي كانت تابعة للرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلة تقريرا مستقى من جهات عليا يفيد بأن الأجهزة الأمنية في تونس أرسلت الى الجزائر فرقة تدعى النمور السوداء لاغتيال راشد الغنوشي في الجزائر، وقد أبلغ الغنوشي بالأمر فأتخذّ الاحتياطات اللازمة وفشلت المحاولة بعد كشفها اعلاميا.
و عندما تزايدت الضغوط على الجزائر من قبل تونس طلب من راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية أن يغادر الجزائر واختار التوجه الى السودان ومنه توجه الى بريطانيا للاقامة فيها كلاجيء سياسي.
وبعد ابعاد الشاذلي بن جديد عن الحكم و فرض حالة الطوارئ وحلّ الجبهة الاسلامية للانقاذ اندلعت مواجهات دامية بين أنصار الانقاذ والسلطة الجزائرية و ترتبّ على الغاء الانتخابات التي فازت فيها الجبهة الاسلامية للانقاذ بروز العمل المسّلح وعشرات الحركات الاسلامية المسلحة التي كان بعضها يقوم بالهجوم على مواقع على الحدود التونسية الجزائرية، وفي ظل غياب التنسيق السياسي كان التنسيق الأمني بين تونس والجزائر في أوجه حيث كانت السلطات التونسية تسلّم عناصر متعاطفة مع الحركات الاسلامية الجزائرية فرّت الى تونس وبدورها الجزائر تسلم معلومات عن نهضويين تونسيين مروا بالجزائر.ومنذ 1992 والى يومنا هذا كان عمل الاتحاد المغاربي مقتصرا على الملفات الأمنية وجمع المعلومات عن التيارات الأصولية.