الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
كان يقيم في المدينه المنوره فتى نضر الشباب, جميل المحيا يدعى بشر العابد
وكان تقيآ , ويكثر التردد الى المسجد وقد عرف بالصلاح وتقوى الله
وفي المدينه نفسها كانت تقيم هند بنت فهد . وهي أمرأه من اجمل نساء العرب ,
وتزوجت رجل غني يدعى قيس وعاشت حياه سعيده مملؤه بالهناء.
وذات يوم كانت هند جالسه في نافذه غرفتها التي تنضر الى الطريق العام
فرأت بشر يمر بلقرب من دارها . فعلقت نضراتها به لما عنده من اطلاله ساحره
وبتعد بشر ولاكن مازال طيف بشر يراودها فأخذت ترقبه وتسعى في رؤيته بشتى الطرق
لأن حبه قد تمكن في قلبها فجتهدت في كتمانه فناجت نفسها
اهواك يابشر دون الناس كلهم
وغيرك يهواني فيمنعه صدي
تمر ببابي لست تعرف مالذي
اكابد من شوقي اليك ومن بعدي
فياليتني ارض وأنت امامها
تدوس بنعليك الكرام على خدي
وياليتني نعل يقيك من الحفا
وياليتني ثوب اقيك من البردي
تبات خلي البال من الم الجوى
وقلبي كواه الحب من شده الوجدي
وأنك ان قصرت عني ولم تزر
فلابد بعد الصد أدفن فلحدي
ولما عيل صبرها قالت لجاريتها
هل تكتمين السر ؟
فأجابت الجاريه : نعم يامولاتي ..وأقسم لك ان لا ابوح به لأحد
ففي الحال كتبت هند كتاب وقالت لها : اريدك ان توصلي الكتاب الى بشر العابد وتعودي منه بجوب
وحملت الجاريه الكتاب وتوجهت الى بشر فسلمت عليه فرد السلام
فقالت انا جاريه السيده هند وأرسلتني اليك ومعي هاذا الكتاب فقدمته
تناول بشر الكتاب وأخذه يقرأه ويتفهم معناه ثم التفت الى الجاريه
وقال لها : هل سيدتك عذراء ام ذات بعل ؟
فأجابت الجاريه
انها ذات بعل وبعله في المدينه
فقال وقد اخذته الرأفه بهاذه السيده ((لاحول ولاقوه الى بالله))
ثم كتب هاذه الأبيات
عليك بتقوى الله لاتقربي الزنا
ولاتطلبي الفحشاء فذالك مفسد
واستغفري مما هممت بفعله
نها الله عنه والنبي محمد
وزاد في قوله
اما تذكري يوم الحساب وهوله
وما للفتى مال ولا شئ يفتدى
وأن تطلبي قربي فبعدي اجود
فخافي عقاب الله والتمسي الهدى
ثم طوى الرقعه وأعطاه للجاريه وعاده به الى مولاتها فلما قرأته هند بكت بكاء شديد
ثم كتبت
اما تخشى يابشر الأله فأنني
لفي حسره من لوعتي وتسهدي
فأن زرتني يابشر احييت مهجتي
وربي غفور بالعطاء باسط اليدي
ثم طوت الرقعه وقدمتها الى الجاريه وقالت لها اذهبي الى بشر ولما قرأها استعضم امر هاذه المصيبه
وصعب عليه ماهي فيه
فكتب تحتها
اياهند هاذا لايليق بمسلم
ومسلمه في عصمه الزوج فابعدي
اما تعلمي ان السفاح محرم
فحولي عن الفحشاء والعيب وارتدي
بهذا نهى دين النبي محمد
فتوبي الى مولاك ياهند ترشدي
ثم طوى الرقعه واعطاها للجاريه وحملته الى سيدتها فلما قرأته بكت بكاء مرآ ثم كتبت كتاب طويل
تشكو فيه من ألامها وغرامها وهيامها وطلبت من الجاريه ان توصله الى بشر ولما وصلته
كتب هاذه الأبيات
ان الذي منع الزياره فعلمي
خوف الفساد عليك الا تعتدي
وأخاف ان يهواك قلبي في الهوى
فأكون قد خالفت دين محمد
ولما وصلها الكتاب طار صوابها ومرضت وصارت في حال يرثى لها وأخذت تمني نفسها بلقاء بشر
في يوم قريب . ولما اعياها الصبر كتبت اليه تقول
يابشر ماأقسى فؤادك في الهوى
ماهاكذى الحب في مذهب الأسلام
اني بليت وقد تجافاني الصفا
فرحم خضوعي ثم زد بسلام
ضاقت قراطيس التراسل بيننا
((جف المداد وحفيت الأقلام))
ولما قرأها بشر كتبت تحتها يقول
لا والذي رفع السماء بأمره
ودحى بساط الأمر بستحكام
وهو الذي بعث النبي محمدآ
بشريعه الأيمان والأسلام
لم اعص ربي في هواك وأنني
لمطهر من سائر الأثام
ثم اعطى الكتاب للجاريه , وعادت به الى مولاتها .ولما قرأته خرت مغشيآ عليها ولما افاقت
كتبت تقول :
ادعوك ربي كما صيرتني شجنا
ان يبتليك بهول من يوافيكا
وتشتكي محنه في الحب نازله
وتطلب الماء ممن ليس يسقيكا
بلاك ربي بأمراض مسلسله
وبامتناع طبيب لايداويكا
ولاسرور لايوم ترى فرحآ
وكل ضر من الرحمان يبتليكا
ثم طوت الكتاب ودمعها ينسكب ,وأعطته للجاريه وقالت لها انطلقي اليه وأئتني بالجواب
فسارت اليه ولما قرأه اغتاض غيض شديدآ ثم كتب يقول
ياخالق الخلق اني لست اعصيك
ابات ارعى نجوم الليل ادعوكا
فارحم خضوع ذيل بات مبتهلآ
ولاتخيب رجا من بات يدعوكا
ونجني رب من هند وما صنعت
يامن لكشف الكروب الناس يدعوكا
ثم طوى الرقعه واعطاها للجاريه وقال لها
ان عدتي برساله غير هاذه ,لأضربنك ,ولأعلمن سيدك ثم نهرها وطردها
ولما اعطتها الكتاب حزنت فشتد هيامها وغرامها ومتنعت عن الطعام والشراب
وخاف بشر من الفضيحه فرتحل ليلآ الى بطاح مكه دون ان يخبر احد وذهب الجاريه اليه
برساله ولم تجده فعادت الى سيدتها وأخبرتها برحيله فحزنت حزن شديآ فكانت لاترى الا باكيه
عليله الجسم شاكيه .
ولما عاد زوجها الى المدينه رأى هند على هاذه الحاله فرق قلبه فقال لها : هل أتيك بطبيب
فقالت له :لاحاجه لي بطبيب ولاكن ارجوك ان ترحل بي من هاذا المكان الى بطاح مكه لكي نعيش
بهناء
فوافق الزوج وشائت الأقدار ان تكون الدار التي اخذها زوجها قريبه من دار بشر , فكانت تراه
عند دخوله وخروجه فزداد عشقها له وتعلقها به مما اعلل جسمها , وأسقم فؤادها
وبينما هي كذالت اذ دخلت عليها عجوز اسمها (جنوب)
فسألتها عن علتها فأخبرتها القصه كامله فقالت العجوز طيبي نفسا وقري عينا فسوف اجمعك به !!
فشكرتها وأكرمتها ولما خرجت قالت
ساعديني وكشفي عني الكروب
ثم نوحي عند نوحي ياجنوب
فخرجت العجوز وجلست على قارعه الطريق فلما مر بها بشر قالت له :
ياولدي اني ارى على وجهك سحر وما ضني بك الى مسحورآ
فذعر بشر فقال لها لا علم لي بذالك ياأماه
وأنما كان في المدينه أمرأه اسمها هند ((مانظرت اليها قط)) كانت تراسلني بالأشعار فهربت منها
الى هنا فقالت اعلم يا أبني نها هي التي سحرتك وأني ارجوك ان تمر علي فلغد وسأخذك الى
داري لكي ابخرك وأعمل لك تحويطه تمنع عنك السحر
فقال جزاك الله خير فنصرف وذهبت الى هند فقالت لها فلغد سيكون بشر في دارك فتهلهل وجهها
بشرآ فقالت : هل ذالك حقيقه يا أماه
أجابت العجوز نعم ورب الكعبه
فقالت هند : اني احمد الله كثيرآ لأن زوجي قد سافر الى الشام ولن يعود الى بعد مده طويله
وفي الصباح ذهبت العجوز الى بشر وقالت له قم ياولد لنذهب فقام معها بشر
وهو لايعلم بما دبرت له من مكيده وسار ورأها الى دار هند التي كانت تنتضر بأحر من الجمر
ولما رأته مقبل نزلت مهروله وفتحت الباب ودخلت العجوز وبشر خلفها وهو يعتقد انه بيت العجوز
ولاكنه لم يشعر الا وقد اغلق الباب خلفه وأمامه حسناء كأنها البدر وقد ارتمت عليه وأخذته في
صدرها وهي تقول
يابشر واصلني وكن بي لطيفا
اني رأيتك بالكمال ضريفا
ونضر الى جسمي وماقد حل بي
فتراه صار من الغرام نحيفا
فلما رأاها بشر راعه جمالها وعلم ببداهتها انها هندالتي هجر الدار من اجلها
وأن عمل العجوز حيله لأصطياده فأخذ يتباعد متلطفآ وأنشد
ليس المليح بكامل في حسنه
حتى يكون من الحرام عفيفا
فأذا تجنب عن معاصي ربه
فهناك يدعى عاشق وضريفا
وهما يتعاركان حاولت العجوز الفرار وما ان تخطت عتبه الدار حتى كان زوج هند قد دخل منه
وكان قد نسي حاجه وعاد ليأخذها وما أن رأته حتى وقفت واجمه لاتتحرك
فصعد الزوج السلم ودخل غرفه رقاده فوجد هند وبشر يتعاتبان
فهاله مارأى وحاول ان يستل سيفه ليقتلهما معآ فقال بشر :اتتبي العجوز هنا دون ان اعلم من الأمر
شيئآ
ولم يكن بيني وبين هند اي شئ من ماحرم الله واسأل الناس عني وان هاذه المرأه احضرت العجوز
تدعوني اليها فضننت انها تدعوني لشئ او لحاجه لم اكن اضن انها تدعوني لمطرحه الهوى
فلما عرفت اخذت اعاتبها على فعلتها . وعند ذالك خرج صبي كان يعمل
في الخدمه في تلك الدار فقال لسيده : والله ياسيدي ان مايقوله هاذا الرجل صحيح فان هند
والعجوز تأمرتا على احضاره وأنا قد سمعت مقالتهما قبل ان تذهب العجوز وقد سمعت تأنيبه لها
وهي تدعوه لمطارحه الغرام ويذكرها بالحساب والعقاب والموت
فقال الزوج :الحمدلله الذي لازال في امه محمد نضير ليوسف الذي راودته امرأه العزيز عن نفسه
فرفض وقال اني اخاف الله رب العالمين
اما انت يابشر فمض لاريب عليك ما انتي ياهند فطالق مني ,فمضي الى هلك ولا أراك بعد اليوم
ولاكنت بشر ماكاد يصل بيته حتا راوده طيف هند وجمالها فشعر انه يميل اليها ميل شديد
وانشغل قلبه بهواها فعلل نفسه بالصبر حتا انقضت عدتها فأرسل اليها ليتزوج بها
فأجابته ((لا أريده))
ولما بلغ مقالته بكا بكاء شديد وكتب لهايقول
ارى القلب بعد الصبر اضحا مضيعا
وأبقيت مالي في هواك مضيعا
فلاتبخلي ياهند بلوصل وارحمي
اسير الهوى بالحب صار مضيعا
فلما وصلتها الأبيات كتبت تحتها تقول
اتطلب ياغدار وصلي بعدما
أسأت ووصلي منك صار مضيعا
لما رجوت الوصل منك قطعته
وأسقيتني كأسا من الحب مترعا
وأخجلتني عند النبي محمد
فكادت عيوني ان تسيل وتطلعا
ولما وصلته الأبيات حزن حزنآ عميقا وشتد به الجوى فكتب لها
سلام الله من بعد البعاد
على الشمس المنيره في البلاد
سلام الله ياهند عليك
ورحمته الى يوم التناد
وحق الله لاينساك قلبي
الى يوم القيامه يامرادي
فرقي ورحمي مضنى كئيبا
فبشر صار ملقى في الوساد
فداوي سقمه بالقرب يوما
فقلبي ذاب من الم البعاد
وصلى الله ربي كل يوم
على من جائنا بلخير هادي
محمد المشفع بالبرايا
فلولا حبه ماسار حادي
ولما وصل هند الكتاب وقرأته كتبت تقول
سلام الله من شمس البلاد
على الصب الموسد في المهاد
فان ترج الوصال وتشتهيه
فأنت من الوصال على بعاد
فلست بنائل مني وصالا
ولايدنو بياضك من سوادي
ولاتبلغ مرادك من وصالي
الى يوم القيامه والتنادي
ثم ارسلت لها الكتاب فلما قرأه خر مغشيآ عليه ولما افاق كتب
كتبت اليك لما ضاق صدي
وأسكتني التجلد والعياءُ
كاتب من فتى دمف عليل
سقيم الجسم ليس لهو شقاءُ
فرقي يامليحه ورحميني
فقد كثر التندم والبكاءُ
وعذالك بحبك عنفوني
وربي فيك يفعل مايشاءُ
وصلى الله ربي كل وقت
على طه ختيم الأنبياءُ
ثم طوى الرساله وأرسله الى هند . ولما رأته كتبت تحته
كتبت الي تشكو ماتلاقي
من الأسقام اذ نزل القضاءُ
فأنك لم تزل باد سقيما
ووجدك لايكون له انقضاءُ
فمن هند الصدود مع التجافي
ومن بشر التضرع والبكاءُ
فعش صبآ ومت كمد حزينآ
((فواحده بواحده جزاءُ))
ولما وصل بشر الكتاب امتنع عن الطعام والشراب ولزم البيت فعتل وكانت له اخت تواسيه
فقالت له هل أتيك بطبيب
فقال لها : وما يصنع الطبيب ومرضي من الحبيب ؟ فلو ان هند واقفه من الباب لردت الي الحياه
فلما سمعت اخته هاذا الكلام سارت الى هند واستعطفتها وأعلمتها ان بشر على اخر رمق
من حياته من شده الوجد والشوق
فرقت له هند وسارعت مع اخته ولما دخلت عليه وجدت نفسه تصعد
فوقفت عند راسه فلما رأها ابتسم ابتسامه رقيقه فيها غضاضه الموت وسلم عليها وأنشد:
اتت وحياض الموت بيني وبينها
وجادت بوصل حين لاينفع الوصل
ولما رأتني في المنايا تعطفت
على ومن تعطفها عندي شغل
ولما سمعت انشاده بكت ثم قالت
يابشر حالك قد برى جسدي
وألهب النار في جسمي وفي كبدي
وفاض دمعي على الخدين منسكبآ
وخانني الدهر فيكم وانقضى رشدي
ماكان قصدي بهاذا الحال انضركم
لا والذي خلق الأنسان من كمد
فلما سمع بشر كلامها اوما اليها وأنشد
أيا هند اذا مرت عليك جنازتي
فنوحي بحزن ثم بالنوح رنمي
وقولي اذا مرت عليك جنازتي
وشيري بعينيك علي وسلمي
وقولي رعاك الله ياميت الهوى
وأسكنك الفردوس ان كنت مسلم
ثم شهق شهقه ففارقت روحه الدنيا
ولما رأته هند ارتمت فوقه تبكي وتنتحب ثم قالت
اياعين نوحي على بشر بتغريد
ألا ترويه من دمعي بتقدير
لفقد بشر بكيت اليوم من كمد
لا خير في عيشه تأتي بتكدير
أالقاك ربك في جنات من غرف
تلقى النعيم بها والخير موقور
ثم وقعت عليه ميته فغسلوهما ودفنوهما في قبر واحد
وبعد ايام طلعت على قبرهما شجره باسقه سموها : شجره العاشق والمعشوق
وأنشد العربي حين وقف على أمرهما
خليلين محبوبين خانهما الدهر
فما اجتمعا الا وقد نفذ العمر
مساكين اهل العشق مانال بعضهم
وصال ,ولكن بعدما انكشف الستر
وهاذي نهايه القصه .........