الصمت ليس دائما علامة الرضا
هنا الطرقات ليست سعيدة لذلك تتلوى من شدة الالم وتنمو على وجهها حفر يسقط فيها الناس ويموتون
هنا القرية ليست سعيدة لذلك يبيعها الفلاحون بالتقسيط ويهجرون شجيراتها بلا ندم
هنا المدينة ليست سعيدة لذلك تختنق رئتاها بسبب التلوث وتسعل بشدة وتنام في المستشفيات الحكومية
هنا القطارات ليست سعيدة لذلك تتأخر عن مواعيدها وأحيانا تتعطل وتقف في الخلاء
هنا الشرطي ليس سعيدا لانه يقف تحت المطر وتحت الشمس وحيدا الا من صفارته وغشاء مسدسه الفارغ
هنا الاشارات الضوئية ليست سعيدة لان هناك من يحرقها بلا رحمة
هنا الكتب ليست سعيدة لان الناس لا يفتحونها كل مساء قبل النوم ويفتحون مكانها أفواههم في تثاؤب طويل بلا نهاية
هنا الاطفال ليسوا سعداء لان الدولة لاتفكر فيهم بما فيه الكفايةوتنشغل عن بناء حدائق ألعاب لهم بصناعة صناديق كبيرة يلعب بها الكبار
هنا النساء لسن سعيدات لان الرجال أصبحوا عازفين عن الزواج والذين يتزوجون يعزفون بعد العام الاول للزواج عن الحب وما يصمد في النهاية داخل العائلة ليس سوى الحزن
هنا المقاومون ليسوا سعداء لان أوسمتهم التي تبرعت بها عليهم الدولة ليستعملونها كل عام في عيد الاستقلال لاتنفعهم أمام فواتير الدواء الذي يشترونه من الصيدليات
هنا المعتقلون السابقون ليسوا سعداء لان مصروف الجيب الذي تقاضوه من جلاديهم ليقايضوا به سنوات العذاب
أنفقوا نصفه على علاج الامراض التي ربحوها من الزنازين ونصفه الاخر أنفقوه في اقتناء زنازين في السكن الاجتماعي حكموا على أنفسهم داخلها بالمؤبد
هنا الفنانون ليسوا سعداء لذلك يلتهمهم سرطان مخيف يقضي وقته في البحث عنهم وسط الناس يتعرف عليهم من قلوبهم الهشة ووجوههم الشاحبة ونظراتهم المتحسرة على أبنائهم الذين سيتشردون بعدهم
هنا الرياضيون ليسوا سعداء لذلك يذهبون للركض تحت رايات أجنبية ويعلقون ميداليات ذهبية مرددين أناشيد وطنية أخرى بغصة في الحلق وحرقة في القلب على رايتهم ونشيدهم الوطني الذي بحت حناجرهم من كثرة ترديده دون أن يسقط لا النشيد ولا الراية في حبهم
هنا السياسيون وحدهم سعداء لانهم في كل مرة يفتحون دولاب ثيابهم يلتقطون معطفا جديدا ويلبسونه ثم يذهبون الى الشعب يخدعونه بالوعود المعسولة ويخطبون وده وفي النهاية يطلبون صوته عوض يده
هنا السماسرة وحدهم سعداء لان الحكومات وفرت لهم شعبا غارقا في المشاكل التي لا يحلها سوى السماسرة بمعارفهم في الدواوين والوزارات
هنا اللصوص الكبار وحدهم سعداء لان الدولة تعرفهم واحدا واحدا ولا تفكر في اعتقالهم خوفا من أن يعترفوا أمام الملأ بأسماء الذين يقتسمون معهم سرقاتهم
هنا المثقفون وحدهم سعداء لانهم يفتحون أفواههم عندما يكون هناك من يهدد جيوبهم ويغلقونها عندما يكون هناك من يهدد كرامتهم
هنا النخبة وحدها سعيدة لانها تقاضت ثمن صمتها حتى آخر مليم وعندما أرادت أن تستعيد صوتها وجدت أنها قايضته بكراس تافهة
هنا السعداء يتحدثون نيابة عن البؤساء لان البؤساء يحترفون دائما فضيلة الصمت مطمئنين الى أن السكوت من ذهب متناسين أن الصمت ليس دائما علامة الرضا.