أكد الإسلام على بر الوالدين والإحسان إليهما والعناية بهما، وقد قرن الله تعالى بين عبادته والاحسان الى الوالدين، فقال تعالى «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا»، والمقصود ببر الوالدين: حسن المعاملة معهما، والاهتمام بأمرهما، والعناية بشأنهما، والاحسان اليهما.
وبر الوالدين من اعظم الطاعات، واجل القربات، وهو سبب لدخول الجنة، ولو لم يكن في بر الوالدين من الخير الا انه اعظم ابواب الجنة، والتنعم فيها لكفى به فضلا وخيرا كثيرا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت الجنة، فسمعت فيها قراءة، قلت من هذا؟ فقالوا: حارثة بن النعمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذلكم البر كذلكم البر». وكان حارثة ابر الناس بأمه. وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم اي العمل احب الى الله عز وجل؟ قال: «الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قال ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله». وقال صلى الله عليه وسلم: «رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما». وجاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! من احق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «امك، قال: ثم من؟ قال: امك، قال: ثم من؟ قال: امك، قال ثم من؟ قال: أبوك». وقال صلى الله عليه وسلم: «رغم أنفه رغم أنفه، رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من ادرك والديه عند الكبر احدهما او كليهما ثم لم يدخل الجنة». وبر الوالدين سبب لسعة الرزق وطول العمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره ان يمد له في عمره، ويزاد له في رزقه، فليبر والديه وليصل رحمه». وبر الانسان بوالديه يضمن له بر اولاده به، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بروا آباءكم تبركم أبناؤكم». وبر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله عز وجل، أقبل رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الاجر من الله تعالى، فقال صلى الله عليه وسلم: «هل من والديك أحد حي؟ قال: نعم بل كلاهما. قال: فتبتغي الاجر من الله تعالى؟ قال: نعم. قال: فارجع فأحسن صحبتهما». وروى الامام احمد في المسند، وابن ماجة عن معاوية بن جاهمة السلمي انه استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد معه، فأمره ان يرجع ويبر امه، ولما كرر عليه، قال صلى الله عليه وسلم: «ويحك الزم رجلها فثم الجنة!»، وبر الوالدين وصلة رحمهما من الامور الواجبة لا فرق في ذلك بين كونهما مسلمين او كافرين، قال تعالى: «وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمها وصاحبهما في الدنيا معروفا». تقول اسماء بنت ابي بكر رضي الله عنهما: قدمت علي أمي، وهي مشركة في عهد قريش، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله قدمت علي امي وهي مشركة راغبة، أفأصل امي، قال: «نعم، صلي أمك». وبر الوالدين يشمل تقديم جميع وجوه الخير والمعروف والاحسان إليهما.
بعد الموت
وبر الوالدين لا يقتصر على فترة حياتهما، بل يمتد الى ما بعد مماتهما، والبر بعد الموت يكون بالدعاء والاستغفار لهما، وصلة رحمهما، واكرام صديقهما، وانفاذ وصيتهما، وذكرهما دائما بخير، والقيام بالاعمال الصالحة، مما ورد وصول نفعه وثوابه إليهما بعد موتهما كبناء المساجد، وسقي الماء، والوقف الخيري، وغير ذلك من الصدقات الجارية التي يستمر اجرها وثوابها، قال رجل من بني سلمة: يا رسول الله هل بقي من بر ابوي شيء ابرهما به بعد موتهما؟ قال: «نعم الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل الا بهما، واكرام صديقهما». ومن البر بهما والاحسان إليهما الا يتعرض لسبهما، ولا يعقهما، فإن ذلك من الكبائر.
أنواع البر
شكر الوالدين على كل ما يقومان به من جهد ورعاية، قال تعالى: «أن اشكر لي ولوالديك الي المصير».
خفض الجناح لهما ولين الجانب، والتلطف في المعاملة، قال تعالى: «واخفض لهما جناح الذل من الرحمة».
الدعاء لهما أحياء وأمواتاً، قال تعالى: «وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً».
السمع والطاعة لهما في غير معصية حتى ولو كانا غير مسلمين، قال تعالى: «وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمها..». وحسن الصحبة لهما: «..وصاحبهما في الدنيا معروفاً».
الانفاق عليهما في العسر واليسر، وقضاء حوائجهما التي يحتاجان اليها، قال تعالى: «قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين».
استئذانهما قبل السفر.
عدم الضجر أو الترفع أو التكبر عليهما، قال تعالى: «..فلا تقل لهما أف..».
عدم رفع الصوت عليهما أو المقاطعة أثناء الكلام.
تقديمها على النفس في الطعام والشراب، والكلام، والمشي، والدخول والخروج، احتراماً واجلالاً لهما.
الاهتمام الخاص بالأم، لتعبها في الحمل والولادة والرضاعة، ولوصية الله تعالى بهما، قال تعالى: «ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك الي المصير».
رعايتهما، خاصة عند الكبر وملاطفتهما وادخال السرور عليهما وحفظهما من كل سوء. وأن يقدم لهما كل ما يرغبان فيه ويحتاجان اليه، قال تعالى: «اما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً».