عن أنس بن مالك ( رضي الله عنه ) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم
قال الله -تعالى-:" يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن،
تضمن هذا الحديث ثلاثة أسباب من أعظم أسباب المغفرة:-
**** إنك ما دعوتني ورجوتني فالدعاء مع الرجاء أي حسن الظن بالله تعالي فإن الدعاء مأمور به موعود عليه بالإجابة كما قال تعالي:-
"وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ"غافر 60 إن الدعاء هو العبادة ومن أعظم شرائطه حضور القلب ورجاء الإجابة من الله تعالي فالعبادة هي التذلل والخضوع ؛ والدعاء إظهار فقر وحاجة وتذلل من العبد الفقير الضعيف الذي لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً وقال
"إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل يديه أن يردهما صفراً خائبتين" والدعاء من أقوي أسباب دفع المكروه وحصول المطلوب وأن ضعف القلب وعدم إقباله علي الله تعالي فيكون بمنزلة القوس الرخو جداً فإن السهم يخرج منه خروجاً ضعيفاً فعدم الاستجابة يكون من أكل الحرام ورين الذنوب علي القلوب واستيلاء الغفلة واللهو عليه
والدعاء له آداب علينا أن نتفهمها لنستشعرها بقلوبنا وعلي سبيل المثال:- أن يفتتح الدعاء بالحمد والثناء علي الله -عز وجل- ثم يصلي علي الرسول ثم يدعوا ثم يختم بالصلاة عليه والحمد ، وأن يكون جازماً بالإجابة، ويلح في دعائه مع القيام بالعمل الصالح.
قال "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من له قلب غافل لاه"
قال المناوي: " أي جازمون بالإجابة ، لأن الداعي إذا لم يكن جازماً لم يكن رجاؤه صادقاً ؛ وإذا لم يصدق الرجاء لم يخلص الدعاء.... ولأن الداعي إذا لم يدع ربه علي يقين انه يجيبه ، فعدم إجابته إما لعجز المدعو أو بخله أو عدم علمه بالابتهال..... ".
وقيل بعض السلف:-" الدعاء بلا عمل كالقوس بلا وتر" وقيل إذا دعونا الله عز وجل عقيب دمعة من خشية الله ذرفتها أو صدقة ظلام الليل بذلتها أو جرعة غيظ تحملتها وما أنفذتها أو حاجة مسلم فقضيتها فتكون بإذن الله تعالي سرعة الاستجابة أي تلاحظ هنا بالعمل الصالح يرتفع الدعاء قيل : " الدعاء يرفعه العمل الصالح".
أن الدعاء مع الرجاء موجبان لمغفرة الله جل في علاه وهناك من يدعو، وهو ضعيف الظن بربه، لا يحسن الظن بربه، وقد ثبت عنه (عليه الصلاة والسلام ) أنه قال: قال الله -تعالى-: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء والعبد إذا دعا الله عز وجل مستغفراً لذنبه يدعو مستغفرا ومستحضرا أن فضل الله عظيم، وأنه يرجو الله أن يغفر، وأن الله سيغفر له.
لمن يغفر رب العزة سبحانه وتعالي ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مكتوب في مزامير داود عليه السلام:-
تدري لمن أغفر من عبادي. قال : لمن يا رب ؟ قال: للذي إذا أذنب ذنباً ارتعدت لذلك مفاصله ذاك الذي آمر ملائكتي أن ألا تكتب عليه ذلك الذنب.
****وفي قوله تعالي:-" قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " الزمر53
المراد أنه يغفر جميع الذنوب ذلك مع التوبة ولا يقنطن عبد من رحمة الله وإن عظمت ذنوبه وكثرت فإن باب الرحمة والتوبة واسع قال الله تعالى: "ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده" وقال عز وجل: " ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً" أي أننا ندخل من باب المغفرة أي التنقية والتطهير من الآفات القلبية ثم ندخل من باب الرحمة فلن يرحمنا رب العالمين إلا أنه تعالي يكون غفر لنا
عن مكحول عن عمرو بن عنبسة (رضي الله عنه) قال:-
"جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) شيخ كبير يدعم على عصا له فقال: يا رسول الله لي غدارت وفجرات فهل يغفر لي ؟ فقال (صلى الله عليه وسلم): ألست تشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال: بلى وأشهد أنك رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم: قد غفر لك غدراتك وفجراتك" تفرد به أحمد.
فالعبد إذا أذنب وسارع إلى التوبة، ودعا الله -جل وعلا - أن يغفر له، ورجي ما عند الله -جل وعلا - فإنه يغفر له على ما كان منه من الذنوب مهما كانت بالتوبة والتوبة تجب ما قبلها وفي
****قوله تعالي:-" وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ"آل عمران133 فالمسارعة إلي الله عز وجل بالمغفرة ندخل مع المتقين لأن الجنة هنا أعدت لهم لأنهم سارعوا ودعوا الله تعالي بقلوبهم بالحضور القلبي وبالتذلل والخشوع فبذلك امتحن القلوب للتقوى أي من أجل ذلك نكون من المتقين فلنا المغفرة التامة ثم ندخل بعد التنقية من الشوائب يصبح لنا الأجر العظيم منه سبحانه وتعالي
*****في قوله تعالي:-
"أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ"الحجرات3
فبعد الاختبار أي الامتحان عن طريق القلوب لأن الأعمال مرتبطة بالقلب الحي فجعلتنا من المتقين فأدخلتنا في مغفرته تعالي ولنا الأجر العظيم
فمن هذا نتعلم أن القلوب هي المحور الأساسي للتقوى التي تجعلنا في حالة الإسراع الدائم فور حدوث الذنب فمن أجل ذلك فإنه عز وجل لم يعطنا الرحمة والأجر العظيم إلا بعد المغفرة .
حدثنا سفيان عن منصور عن مجاهد قال: كتب إلى عمر:
يا أمير المؤمنين, رجل لا يشتهي المعصية, ولا يعمل بها أفضل, أم رجل يشتهي المعصية ولا يعمل بها
فكتب عمر (رضي الله عنه): إن الذين يشتهون المعصية ولا يعملون بها "أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم".
****غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يعني علي كثرة ذنوبك وخطاياك ، ولا يتعاظمني ذلك ولا أستكثره وفي الصحيح عن النبي " قال إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظـمه شـئ " فإن ذنوب العباد وإن عظمت فعفو الله ومغفرته أعظم منها
روى عن لقمان أنه قال لإبنه : يا بني عوِد لسانك علي
اللهم اغفر لي فإن لله تعالي ساعات لا يرد فيها سائلاً
وقال الحسن : أكثروا من الاستغفار في بيوتكم وعلي موائدكم وفي طرقكم وفي أسواقكم وفي مجالسكم وأينما كنتم ، فإنكم ما تدرون متي تنزل المغفرة.
فإذا عظم الرجاء بالله ، وأيقن أن الله -جل وعلا - سيغفر له، وعظم ذلك في قلبه، حصل له مطلوبة ؛ لأن في ذلك إحسان الظن بالله، وإعظام الرغبة بالله -جل وعلا - وهناك عبادات قلبية كثيرة تجتمع على العبد المذنب حين طلبه الاستغفار وقبول التوبة، توجب مغفرة الذنوب فضلا من الله -جل وعلا - وتكرما.
قال: غفرت لك والمغفرة: ستر الذنب وستر أثر الذنب في الدنيا والآخرة، والمغفرة غير التوبة؛ لأن المغفرة ستر، غفر الشيء بمعنى ستره، والمقصود من ستر الذنب أن يستر الله -جل وعلا - أثره في الدنيا والآخرة، وأثر الذنب في الدنيا العقوبة عليه، وأثر الذنب في الآخرة العقوبة عليه، فمن استغفر الله -جل وعلا - غفر الله له يعني: من طلب ستر الله عليه في أثر ذنبه في الدنيا والآخرة؛ ستر الله عليه، محا أو ستر أثر الذنب بحجب أثر الذنب من العقوبة في الدنيا والآخرة.
قال علي (رضي الله عنه) :-
ما ألهم الله سبحانه وتعالي عبداً الاستغفار وهو يريد أن يعذبه.
غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يعني علي كثرة ذنوبك وخطاياك ، ولا يتعاظمني ذلك ولا أستكثره وفي الصحيح عن النبي "قال إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظـمه شـئ " فذنوب العباد وإن عظمت عفو الله ومغفرته أعظم منها
قال: ثم استغفرتني غفرت لك وهذا مما يجعل العبد المنيب يحب ربه -جل وعلا - أعظم محبة؛ لأن الله العظيم الذي له صفات الجلال والجمال والكمال، والذي له هذا الملكوت كله، وهو الذي على كل شيء قدير، وعلى كل شيء وكيل، وهو الذي من صفاته كذا وكذا، من عظيم صفاته وجليل النعوت والأسماء، يتودد إلى عبده بهذا التودد لا شك أن هذا يجعل القلب محبا لربه -جل وعلا - متذللا بين يديه، مؤثرا مرضاة الله على مرضاة غيره -سبحانه وتعالى-.
قالت عائشة (رضي الله عنها) :-
طوبي لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً
**** يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء فإن الاستغفار حتى ولو عظمت الذنوب وبلغت الكثرة أي إلي عنان السماء قيل السحاب أو ما انتهي إليه البصر ثم استغفر العبد ربه فيغفر الله تعالي له
يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك وهذا فيه الحث على طلب المغفرة، فإنك إذا أذنبت فاستغفر، فإنه ما أصر من استغفر، ولو عاد في اليوم سبعين مرة كما جاء في الأثر، فمع الاستغفار والندم يمحو الله -جل وعلا - الخطايا.
قال قتادة رحمه الله :-
إن هذا القرآن يدلكم علي دائكم ودوائكم ، فأما داؤكم فالذنوب ، وأما دواؤكم فالاستغفار.
***** ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا فالتوحيد وهو السبب الأعظم ومن فقده حُرم المغفرة ومن أتي به فقد أتي بأعظم أسباب المغفرة ؛ فإن التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقي معه ذنب لأنه يتضمن من محبة الله وإجلاله وتعظيمه وخوفه ورجائه وحده ما يوجب غسل الذنوب ولو كانت قراب الأرض أي ملؤها ولكن هذا مع مشيئة الله عز وجل فإن شاء غفر بفضله ورحمته وإن شاء عذب بعدله وحكمته وهو المحمود علي كل حال.
يعني: لو جاء ابن آدم بملء الأرض خطايا، ثم لقي الله -جل وعلا - مخلصا له الدين لا يشرك به شيئا، لا جليل الشرك ولا صغيره ولا خفيه، بل قلبه مخلص لله -جل وعلا - ليس فيه سوى الله -جل وعلا - وليس فيه رغب إلا إلى الله -جل وعلا - وليس فيه رجاء إلا رجاء الله -جل وعلا - لا يشرك به شيئا، بأي نوع من أنواع الشرك ، فإن الله -جل وعلا - يغفر الذنوب جميعا.
وإن الفطرة السليمة ، والنفوس الأبية المستقيمة حين تعرف طريق الحق ، لابد أن تسلكه وهي راضية.
قال أبو هريرة( رضي الله عنه) : قال رسول الله : خمس ضامنة لخمس :
الصلاة ضامنة للرزق ، والزكاة للبركة ، والزنا ضامن للفقر، والظلم ضامن للخراب ، وغضب الوالدين ضامن للنار"
وقال : "ما ظهرت الفاحشة في قوم ، إلا سلط الله عليهم الطواعين ".
وقال رسول الله " إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا أنتم هذه الكلمات : اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة علي الرشد ، وأسألك شكر نعمتك ، وأسألك قلباً سليماً ، وأسألك لساناً صادقاً ، وأسألك من خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شر ما تعلم ، وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب."
قال تعالي:-
من أعظم مني جوداً أكلؤهم في مضاجعهم كأنهم لم يعصوني
ومن كرمي أن أقبل توبة التائب حتى كأنه لم يزل تائباً
من ذا الذي يقرع بابي فلم أفتح له ؟ من ذا الذي سألني فلم أعطه؟
أبخيل أنا فيُبخـِّـلني عبدي.
اللهم إني أستغفرك من كل ذنب تبت إليك منه ثم عدت فيه ،
وأستغفرك من كل عمل عملته لوجهك فخالطه ما ليس لك فيه رضا
واستغفرك من كل وعد وعدت به من نفسي ثم لم أوف لك به .
وأستغفرك من كل نعمة أنعمت بها علي فتقويت بها علي معصيتك .
وأستغفرك من كل ذنب أذنبته في سواد الليل أو بياض النهار في خلاء،
أو ملأ ، أو سر ، أو علانية يا كريم.