الكسكسي أشهر أطباق ولاية النعامة
رغم ازدحام المائدة الجزائرية بألوان كثيرة من الأطباق الشعبية والمأكولات الضاربة في التاريخ المحلي، إلاّ أنّ لطبق "الكسكسي" التقليدي العريق مكانة أزلية التي ما فتئ يحتلها هذا الطبق في أذهان ومعدة الجزائريين، لدرجة أصبح يشكل معها اليوم إرثا جمعيا ومورد رزق لكثير من العوائل هناك.
وأينما حللت وارتحلت داخل جنبات الجزائر ودويراتها، تداعبك تسميات من قبيل "سكسو"، "الطعام"، "البربوشة"، "النعمة"، وهي اصطلاحات مختلفة لطبق واحد ومتعدد في الآن نفسه من حيث أشكال تحضير "الكسكسي" وطهيه بين هذه المنطقة وتلك من ربوع الجزائر الشاسعة، لكن التقاطع يكمن في ذاك التغليب الدائم لطبق الكسكسي وهو جملة من حبيبات الدقيق المستديرة، هذا الأخير يفضل كثير من الجزائريين، تناوله أيام الجمعة، ونادرا ما يخلو غداء عائلة جزائرية بعد صلاة الجمعة من هذا الطبق المتوارث الذي يطهى في الغالب بمرق اللحم أو الدجاج، مصحوبا بالبطاطا وسائر الخضروات.
ويشترك الجزائريون في منحهم طبق الكسكسي مكانة أولى في موائد أفراحهم وأحزانهم في شتى المناسبات وحتى بدونها، وتقول السيدة فاطمة حمدادو من ولاية تيزي وزو (110 كلم شرق العاصمة)، بأنّ طبق سكسو يجب أن يكون حاضرا مرة في الأسبوع على الأقل بحضور جميع أفراد العائلة، وكثيرا ما يوشّح الطبق كما تضيف - حمدادو- بقطع لحم الخروف والقرعة والحميصة واللوبيا القبائلية، وتحترف فاطمة حمدادو إنتاج الكسكسي، ولها طريقة خاصة بها في تحضير كسكسي باللحم أو كسكسي بالخضار، فيما سطع نجم السيدة مجدوب مريم من ولاية أدرار الجنوبية في مجال تحضير الكسكسي بالأعشاب، ما مكنّها من نيل الجائزة الأولى لعيد الكسكسي الموسم الماضي.
ويعرّف باحثون طبق الكسكسي بكونه أكلة بربرية يعود تاريخها إلى الفترة ما بين 238 إلى 149 قبل الميلاد، ويقول الباحث الأثري "عمار نوارة"، إنّ هذا الطبق انتشر بامتياز في الجزائر لارتباطه بالطابع الحبوبي الغذائي في منطقة شمال إفريقيا، بينما تبرز الأستاذة "ليلى بن عطا الله"، أنّ الكسكسي غذاء كامل ومتكامل لجمعه بين الدقيق المفتول والمفور وبين البقول الجافة مثل الحمص والفول في بعض الحالات، وكذا الخضار بأنواعها بغض النظر عن اللحوم، وذلك ما يمنح الطبق توازنا يفيد بمدى إطلاع الأجداد في مجال تحقيق القيمة الغذائية انطلاقا من توظيف المواد الغذائية المتاحة أمامهم، كما استدلت الأستاذة "ليلى بن عطا الله"، بتجربة تحضير كسكسي بدون غلوتين لصالح المرضى الذين يعانون مشاكل في الأمعاء الدقيقة، وتفيد الأعشاب البرية والمحلية التي تضاف لمرق الكسكسي ولا سيما في فصل الشتاء، حيث تؤكد السيدة مريم البارعة في إعداد الكسكسي، أنّ الأخير يمكّن المرأة النافس من استعادة قدراتها وعافيتها بسرعة، مثلما تخفف الأعشاب من حدة التوابل المستعملة، فضلا عن تحقيقها لمطلب الذوق والبنة.
واحتفى سكان منطقة ميلة (500 كلم شرق العاصمة)، هذا الأسبوع بالكسكسي من خلال فعاليات العيد السابع للكسكسي والعجائن التقليدية، وأشار الباحث "عمار نوارة"، في مداخلة له إلى التصاق الكسكسي بالعصور الغابرة من فجر التاريخ كما تدل على ذلك الفخاريات وبالأخص منها أواني الكسكاس الفخارية إضافة إلى الرسومات المكتشفة على الأواني والتي وجدت بمنطقة شمال إفريقيا.
ويجري إعداد الكسكسي بجلب: 1 كيلوجرام من مادة الكسكسي، إضافة إلى نصف كيلو من اللحم أو الدجاج، 6 حبات بطاطا وحبة طماطم، ناهيك عن قدر من الزيت وبهارات وتوابل الفلفل والبقدونس والثوم، ثم يطهى الطعام عن طريق تفويره نحو ثلاث مرات، فيما يتّم طهي المرق منفردا، وهناك من يستغني عن المرق ويستخدم البيض والزبيب وكذا اللبن.
ويتناغم الكسكسي مع طبيعة كل جهة بالجزائر، متأقلما كمرادف بديع لتقاليد كل منطقة وطقوسها الاجتماعية والغذائية، ففي منطقة جيجل الساحلية (400 كلم شرق)، يتم طهي طبق الكسسكي بأصناف من السمك على غرار الميرو والبوتين وكذا السردين، وعادة ما تضفي عليه هذه الأسماك نكهة خاصة تشجع على الانخراط بسرعة في الأكل، أما منطقة ميلة المجاورة، فإنها لا تكاد تذكر إلا مقرونة باسم (المحور) وهو طبق كسكسي بمرق أبيض يوشح بالبيض المسلوق ولحم الخروف وكريات الكفتة، فيما تجنح مناطق أخرى إلى مواكبة الكسكسي بعجائن تقليدية شهيرة مثل "كسكس الشعير" و"الشخشوخة" و"العيش" و"البركوكس" و"المسفوف".
ويحضر الكسكسي في مناطق كثيرة من الصحراء الجزائرية، بيد أنّ التمر يشكل أحد مكونات هذا الطبق الأزلي، عن طريق إضافة قليل من التمر في المرق، بما ينزع مرارة التوابل كما يساعد في الطهي السريع للحم، وهو ما جعل أحد الطهاة يردّد "القدر بلا تمر كالمرأة بلا عقل"، وهو مثل مأثور اعتاد سكان الجنوب الجزائري على تداوله لتأكيد هذا المعنى في محيطهم الاجتماعي.