**لم يُخلَق مثلها في البلاد**
كأنني ثمِلٌ أو عَلّه حُلُمُ
أجنّةٌ هذه أم أنها إرَمُ
في خفقةِ الطرفِ كانت ثَمَّ ماثلةً
كذّبتُ عينيّ والأفكارُ تزدحمُ
أنجمةٌ من فضاءِ الكونِ قادمةٌ
حطّتْ على الأرضِ لا جنحٌ ولا قدمُ
أم قُبةٌ من صَنَاعِ الجنِّ مبدعُها
تفيض سحراً على الأركانِ يرتسمُ
وأُزلِفتْ لي بأبوابٍ مشرَّعةٍ
تقودني ولساني الدهشُ ملتَجَمُ
مرصوفةٌ بلُجينِ الصخرِ سِكّتُها
ما أثّرتْ في مجالي متنِها قَدمُ
أطوف بين قبابٍ للسماءِ سَمتْ
تصغي لهمسٍ إذا باحت به النُّجُمُ
تشامخت فوق غيمٍ جاء يحرسها
وما رقى مُرتقاها البرقُ والديَمُ
ففي السماءِ لها حضنٌ ومضطجعٌ
ومن ملائكةِ الرحمنِ مُلتَزَمُ
دَلفتُ والقلبُ مني راقصٌ طرباً
يكاد يُسمَع من تحنانِه نغمُ
يسوقني الطِيبُ نثراً في شوارِعِها
أنى مشيتُ تضوعُ الأرضُ والنسَمُ
كل المدائنِ في أمجادها مَثُلت
أغناك عمّا سواها المِثْلُ والكرمُ
لها من السهلِ والأعلامِ مكتنَفٌ
وكم تنازع فيها السهلُ والعَلمُ
أمامك النورُ فاروِ العينَ من ظمأٍ
فالسحر فاضت به الوديانُ والقممُ
مدينة عُمِّرت دهراً وما اختضبت
حسناءُ ما طالها شيبٌ ولا هرَمُ
وما رأت حسنَها عينٌ ولا خطرت
على فؤادِ امرئٍ أرخى له الحلمُ
يطول فكرُ يراعي عند ضفتها
وما جرى بعدُ في أمواجِها قلمُ
حتى دعتني إليها قبةٌ لمعت
كخاطرٍ بارعٍ في الذهنِ يرتسمُ
أهذه الشمسُ فوق الأرضِ قد نُصبت
تقولُ لا وتُومي الشمسُ بل نعمُ
ومسجدٌ شدّني أقصاه مقترباً
كأنما أناْ في محرابِه صنمُ
مُسمَّرٌ فيه شُلّت كلُّ جارحةٍ
سوى عيوني بفيضِ الدمعِ تنسجمُ
أكِبُّ فوق الثرى الحنّاءِ ملتثِماً
فيغتديهِ خضاباً دامعٌ وفمُ
قدساهُ هذا أنا أسريتُ نحوكِ من
شوقٍ مُلِحٍّ كموجِ البحرِ يلتطمُ
ما أطفأتْ نارَه أرضٌ سواكِ ولا
خبتْ بنوءِ سنين المنتأى ِحممُ
بِنّا بجرحٍ مدى الأيامِ مرتعفٍ
وكلُّ جرحٍ خلا جنبيكِ ملتئمُ
وكم نشدنا لنزفِ القلبِ راقيةً
وليس يرقاُ إلا إنْ سلاكِ دمُ
هيهات يا قبلتي الأولى ومنعرَجي
وثالثٌ أخواهُ الروضُ والحرمُ
يمامةَ الروحِ هل للروحِ من عِوضٍ
إنْ رفّ في أفقها الغربانُ والرخمُ
وشمعدانٌ كوَهْنِ العنكبوتِ رمى
بظلِّهِ فهو في أركانِها قزمُ
يزجّه الحقُّ تحت الشمسِ منحسراً
وكلُّ باغٍ أمام الحقِّ منهزمُ
منفِّرٌ قبحُه في مُجتلىً حسنٍ
كلطخةِ الوحلِ مسّت دَرنَها القدمُ
كأنه حيّةٌ تسعى بألفِ فمٍ
تنسلُّ في جنتي ليلاً وتقتحمُ
قد أنكرتْ رسمَه الملتاثَ قبتُها
وكذّبتْ عهدَه البالي هنا الرُّسُمُ
فجّ دخيلٌ على التاريخِ مقتحم
وكلّ غازٍ رحابَ الطهرِ مصطَلَمُ
تسرطنتْ شأفةٌ في جنبِها وربتْ
ودمّلٌ خارجٌ أغرى به الورمُ
وحسبُه مِخرزٌ أو كَيّةٌ بلظىً
حتى يمجَّ صديداً غَذّهُ الوخَمُ
ألقي قميصَكِ قدساه على رمَدي
كي يسفرَ االحزنُ في الأحداقِ والعتَمُ
وبللي بنداكِ الغضِّ أوردتي
حتى يدورَ بصحراءِ العروقِ دمُ
أغارُ من ميتٍ واراهُ فيكِ ثرىً
وأغبط الحيَّ رغم القهرِ يبتسمُ
يا ليتني شجرٌ في القدسِ أو حجرٌ
فحسبُني من ثراكِ القربُ والذممُ
ذاتَ القبابِ أيسخو الدهرُ ثانيةً
ويجتليكِ شغوفٌ بالسنا نهِمُ
رأيتُها مرةً واحسرتاه إذا
ضنّتْ عليّ بثاني نظرةٍ إرمُ