ا إله إلا الله, أعرف تماما ًأن الموت والحياة بيد الله تعالى, لكن بعد زواجي تبدلت ظروفي, ونفر مني زوجي لسقوطي في هول المرض, وكأن مرضي بيدي, وبين أنيني وقهري سمعت ذلك الصوت القادم من المجهول ولقد عرفته إنه صوت أمي النابع من قلبها وهي تناجي ربها وتدعوه وتقول إلهي أرجو أن تعتني بابنتي قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة لا خطأي الأخير,, وسمعت شيء ما كان يلعب في أحشائي, شيء جدد لي حياتي بعدما ذهبوا ليتنزهوا وتركوني وحيدة ومريضة بحجة إحضار الماء, وكأنها كانت فرصة العمر, وكان الباص يسير وهو يتمايل يسرة ويمنة على أصوات الموسيقى والغناء, ورغم رفض أمي وصراخها بهم فلم يرد أحد عليها ثم تعثر الباص وانطفأت الموسيقى وأعاد زوجي تشغيلها, ثم تعثر الباص مرة ثانية وثالثة ورابعة, وزوجي يعيد تشغيل الموسيقى, وفي المرة الأخيرة انقلب الباص ومات الجميع, وهم يغنون ويرقصون, وأنا على سريري أتأوه وأصارع الموت والألم, ومات زوجي وهو يغني بطرب أغنيته المفضلة, بينما كنت أغني لحن الألم, لكن الآن لم أعد وحيدة فقد وهبني الله تعالى طفلة رائعة الجمال أنستني كل أوجاعي وآلامي وأنقذت حياتي وأنهت كل أخطائي, وذلك قبل ليلة من ليلة زفافي عندما رأيت ذلك الحلم الذي أخافني والذي قررت إخفاؤه في قلبي وعدم إخبار أحد به, وهو أني خرجت مع أهلي وأهل زوجي في رحلة وفي الطريق توقفنا في استراحة ونزلت من السيارة أتمشى قليلاً, فطلب مني زوجي ملأ زجاجة ماء له, ووجدت حنفية ماء على الجدار, توجهت نحوها حيث وجدت رجل يقف عندها طلبت إذنه ليبعد كي أملأ الزجاجة, لكنه بدأ يضايقني فدفعته ثم ملئت الماء, ونظرت خلفي فإذ بطفل صغير يقف بأدب وهدوء, وقد أرعبني كثيراً, ثم قال لي هل يمكنني أن أملأ زجاجتي لو سمحت إنها لأمي المريضة ولا تستطيع أن تنتظر, فأبعدت له زجاجتي وأنا لا أعرف من أين جاء هذا الطفل الصغير, ولا أعرف أين ذهب ذلك الرجل, فاستيقظت خائفة ومرعوبة جداً, فقلت بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, وارتحت ومضى هذا اليوم حتى اقترب موعد الزفاف وبعد الفرحة الخجولة لم أستطع فعل شيء فقد كنت خائفة جداً ولا أحد يدرك ما حدث وما يحدث لي, لذا قرر الأهل كلهم أن نخرج في نزهة لربما أغير جو, وأخرج من هذا الضغط قليلاً, وخرجنا في الصباح بسيارة والد زوجي وعبر الغابات المذهلة والساحرة الجمال, وصلنا مكان هادئ بعيد نوعاً ما ومنعزل, وفجأة ونحن نجهز كل شيء, ظهر من المجهول شيء غريب, يا إلهي إنها طفلة صغيرة كانت تمشي بصعوبة فارتعب الجميع, بل أنا أكثرهم عندما تذكرت ذلك الحلم, وجلست الطفلة معنا واعتنت أمي بها أطعمتها وأنامتها في حضنها, ثم نهضت بسرعة وقررت أن أعرف من أين جاءت, ورغم أن الجميع منعني لكن لم أستمع لأحد وتابعت طريقي فلحق بي زوجي, وبعد مسافة طويلة وجدنا باص مقلوب وكل من كان فيه قد مات اقتربت من الباص وسمعت صوت أنين أجل إنه صوت امرأة, اقتربت منها وحاولت مساعدتها وطلبت من زوجي أن يتصل بالإسعاف بسرعة, ثم تحدثت معها وطلبت منها أن تبقى هادئة وصامدة فالمساعدة في طريقها إلينا, ثم همست وفي عيني شعرت برنات صوتها تحفر صداها المتألم, وقالت بكلمات متعبة أرجوك عديني أن تعتني بابنتي ومن دون تفكير وعدتها, ثم طلبت منها أن تنطق بالشهادة وماتت فلم يكن هناك أمل في إنقاذها, وأدركت أنها والدة تلك الطفلة, وبحثت في الباص عن أغراض الأم وأخذت كل شيء يتعلق بالطفلة ورغم أني شعرت أن هناك أحد ما قد كان يفتش الباص قبل قدومنا لكن لم أبالي, وتوجهت نحو زوجي وأنا أقول بيني وبين نفسي يا إلهي صوتها وهي تقول الشهادة يشبه كثيراً صوت أمي, ثم طلبت من زوجي ألا يخبر الشرطة بأمر الطفلة فقد قررت الاعتناء بها, وقد وافق بسرعة وكان ذلك الخطأ الأول الاندفاع وراء العاطفة, وبينما كان ينتظر زوجي الشرطة, توجهت نحو الأهل لأخبرهم بما حدث وبعد يوم متعب عدنا البيت, وتلك الليلة حدث ما أراده زوجي والجميع, ومع مرور الأيام لاحظ الجميع مبالغتي بالاعتناء بالطفلة التي أحببتها من كل قلبي, مع أن دقات جنيني بدأت تجري في عروقي, وكنت كلما عانقت الطفلة وكلما وضعت يديها على جنيني, أشعر بقوة هائلة تسير بين أنفاسي, كشيء من دبابيس يوخز جسدي بحنان ولطف غريب وحرارة عالية تخرج من رأسي, وبعد ولادتي أراد زوجي معانقتي بعد طول انتظار لكني لم أستطيع ذلك فقد كنت أشعر بوجودها خارج الباب فنهضت وأقفلته ثم بكت ابنتي فنهضت لإرضاعها وهكذا حتى غضب زوجي وفقد الأمل واستسلم للنوم, وعلى طرف السرير جلست أرضع طفلتي, ثم نظرت للباب فكان المفتاح واقع على الأرض والصغيرة تنظر لي من الثقب فارتعد جسدي وصرخت لكن أبداً لم يسمعني زوجي, وخفت على ابنتي من رعشة قلبي فتوقفت عن إرضاعها حتى طلع الفجر, ومن شدة بكائها عدت لإرضاعها فنامت ووضعتها في سريرها, وتوجهت مباشرة لغرفة الصغيرة, نظرت إليها من بعيد وجدتها نائمة, وكان ذلك الخطأ الثاني الثقة العمياء, وبدأت أمواج النار تحرقني من الداخل إلى الخارج لأن ذلك المنظر لا يذهب عن بالي عندما تلك الصغيرة وهي تنظر من ثقب الباب لم تكن طفلة بل رأيتها امرأة كبيرة بالغة, يا إلهي لماذا يحدث ذلك معي, وفي تلك الليلة حلمت مجدداً كالحلم المرعب الذي عشق حياتي وتعلق فيها, وكان عندما سافرنا أنا وزوجي مع الأهل, ونزلنا في فندق وكل مجموعة اختارت غرفها إلا نحن فرضت علينا هذه الغرفة, والحمد لله كان هناك رجل يتردد لهذه الغرفة, باحثاً عن شيء ما فأجدها حجة للخروج من الغرفة, وبفضل الله تعالى ولا أدري ما الذي ألهمني على الخروج منها, حيث بعد لحظات جاء الرجل ودخل الغرفة وبدأ يبعثر كل شيء فيها, وفجأة جاءت الشرطة وحصل إطلاق نار قوي بينهم قوي جداً لدرجة إني استيقظت على صوت قادم من المطبخ, فنزلت مسرعة لأجد الصغيرة تحطم زجاجات الماء, فحملتها وصعدت فوق وسألتها لما فعلت ذلك ولم ترد علي, وأحياناً كنت أخاف منها كثيراً خاصة عندما تنظر إلي بشرود وألم, حتى أشعر أنها نظرات امرأة بالغة وليس مجرد طفلة, وهذا ما يجعلني أحياناً تركها تفعل ما تريده لأبعد عن خوفي منها, فكان الخطأ الثالث الصمت عن الحقيقة, مع علمي أنها وراء مقتل أهلي وأهل زوجي, تنازلت عن قول الحقيقة, ولم أتكلم حتى قتلت زوجي وماتت حياتي الهادئة, وبدأت بعدها حياة جديدة, وهي ملاحقة رجال لي وكنت قد رأيتهم في حلمي عندما أطلق رجل النار على حاجز شبكي حديدي مكتوب عليه (غزة) وكان الجميع خلفه يصلون ويتدربون ولم يكترثوا أبداً للحاجز فكيف حدث ذلك, والرجال السود رجال القمر لا وجود لهم, إذاً كنت أهرب من أطياف أم ما الذي يحدث لي, يريدون قتل فتاة صغيرة وحيدة, ولم أسأل نفسي أبداً عن السبب, لأني لا أعرف ما الذي يجعلني أتمسك بها ولا أتخلى عنها فكلما تنظر إلي وتقول ماما لا تتركيني, يحزن قلبي عليها وأتعلق بها, رغم شعوري أنها سبب فقدي لعائلتي وستكون فقدي لأغلى شيء عندي, وذلك كان الخطأ الرابع الوفاء بالوعد, فكلما حاولت التخلص منها وتركها لمصيرها, يرن في رأسي صوت أمها وهي تقول عديني عديني, ثم أقول لنفسي لا إنها مجرد طفلة صغيرة وما يمكن للطفلة أن تفعل, ولم أجد أمامي إلا أن أحمل ابنتي وأمسك الصغيرة بيدي ونرحل لمكان آمن, وكان الرجال يريدون قتلها قبل أن تبلغ الخامسة فتتحول من طفلة بريئة إلى امرأة متوحشة, وأي عاقل سيصدق مثل هذا الجنون, وبينما كانوا يفكرون في طريقة لقتلها, كنت أحميها ولا أعرف ما كان ينتظرني وماذا تخبأ لي الأيام القادمة من خوف ومفاجئات, وكلما رأيتها تلعب مع طفلتي وتضحكا معاً أنسا كل شيء ثم جلست أقرأ أوراق أمها الخاصة التي أخذتها منها عندما كانت في الباص, واستغربت أن يوم مولد الصغيرة هو نفسه يوم مولدي ومولد ابنتي معاً, وهذا شيء غريب طبعاً, يا إلهي بعد أسبوع ستكمل عامها الخامس, وبسرعة كبيرة مضى هذا الأسبوع كالنهر الجارف, وأنا أهرب من مكان إلى آخر, وكلما نفذ المال من هذا المكان أجده في ذلك المكان, ممايدفعني لأتابع هروبي دون توقف ولم أسألها عن سبب ذلك فكنت كل ما أريده أن يمر الوقت مسرعاً على خير, ثم سألت نفسي مما أكد خطأي الخامس, ما هي النهاية..؟ وتمنيت عندها لو أني ما سألت نفسي ولم أكن أعرف نفسي أبداً, ومع دقات الساعة والقلب تأكدت أنها كانت امرأة بالفعل, وفجأة تحولت من طفلة بريئة لامرأة متوحشة كما قال الرجال, وبسرعة كبيرة ومدهشة تحولت الحياة أمامي لقصة مرعبة وسلسلة من جرائم تحدث أمام عيني مباشرة, تلك التي كانت مجرد طفلة هي الآن تقتلع رأس هذا وذاك لأنهم كانوا يفكرون بشكل سيء بي, وتقتلع أذان وعيون كانت تسمع وترى الحرام قربي, وتقتلع قلوب وعقول كانت تحب الشر لي, وتطايرت الدماء حولي, وفي كل مكان, وكانت أمامي مجزرة دموية حقيقية عشت فيها رغم عني, وكانت من خوفي تبكيني بحرقة وقهر وأمان, وعندما انتهت من عملها والدماء تتساقط منها, قالت أنهم نالوا ما يستحقون لكن ذلك أغضبني حتى الجنون, ولم أشعر إلا وأنا أقتلها بيدي, وذلك كان خطأي السادس التحول لقاتلة, فبعد مدة قصيرة وبينما كنت على الطريق أحاول أن أبتعد عن كل تلك الأمور التي جرت لي توقفت على جانب الطريق وحملت طفلتي لأعانقها وأرتاح وأسعد بضمها إلى صدري, عندها حصلت المفاجئة الجنونية التي ما كنت لأتوقعها مهما حييت, ولم أكن قد أدركت بعد ما الذي حدث, وعندما أدركت ذلك, عرفت مباشرة أنه كان خطأي الأخير, خطأي القاتل, لقد كانت ابنتي مثلها ومثل سرها, فشعرت بنهر من نار يسير بين عروقي ويجرف في طريقه كل ما يصادفه من عقلي وروحي وقلبي وحتى أخطائي, عندها صرخت تلك الصرخة التي لا يستطيع أحد أن يسمعها, إنها صرخة الألم والحق, وصحوت على آذان الفجر أحمد الله وأشكره, وناديت على أمي, ثم تذكرت أنها خرجت مع الجميع, ليحضروا لي زجاجات الماء العذب لكليتي المريضة, وحتى الآن لم يعودوا ولن يعودوا أبداً...