بعد أن ادعوا المقدسات في القدس وأرض فلسطين، وأنها يهودية التاريخ وأن المسلمين دخلاء على تلك الأرض وتلك المقدسات ، انتقلوا لمرحلة أخرى وهي الادعاء بالتراث اليهودي الأصيل في القدس وأرض فلسطين ، وبالكشف عنه تجده تراث عربي إسلامي يسوق للعالم على أنه يهودي الماضي والحاضر، وأوهموا العالم بأنهم أصحاب حضارة وتراث لا ينافس، وإذا نظرت له وجدته تراث عربي مسلوب كما سلبوا الأرض والمقدسات .
فكتبهم عن التراث تصف اللباس اليهودي الأصيل وإذا به الدماية - الدشداشة - الفلسطينية، والثوب النسائي المطرز سلبوه ليلبسوه مضيفات شركة العال اليهودية للطيران، وإذا بالأكلات اليهودية هي الأكلات الفلسطينية الشعبية نفسها؛ وزيارة معرض واحد من معارض اليهود والتي تقام في الدول الغربية، يعقد اللسان عن الكلام كما وصفه أحد الصحفيين العرب والذي تزامن وجوده مع إقامة معرض هناك ويقول بإن ركنا من أركان المعرض يجعلك تقف مذهولاً من وقاحة وكذب اليهود، فزاوية المأكولات اليهوديـة تقدم"الفلافل" للزوار على أنها أكلة يهودية عريقة ومأكولات أخرى كالبنة والزيتون والزعتر والسلطات... والملابس المعروضة هي ملابس فلسطينية أصيلة، وكأنك في معرض للتراث الفلسطيني، والغريب أن تتناقل وسائل الإعلام الغربية ذلك التراث على أنه تراث يهودي عريق!!!
سابقاً قال ثيودور هرتزل في كتابه الدولة اليهودية: " علينا أن نمتلك الوطن اليهودي الجديد ، مستخدمين كل ذريعة حديثة وبأسلوب لم يعرفه التاريخ حتى الآن ... وبإمكانات نجاح لم يحدث مثلها من قبل
ويعده صرحت "غولدا مائير – رئيسة وزراء للكيان اليهودي - بأنه :" ليس هناك من شعب فلسطيني .. وليس الأمر كما لو أننا جئنا لنطردهم من ديارهم ، والاستيلاء على بلادهم . إنهم لا وجود لهم "
ففي نظرهم وواقعهم أن شعب فلسطين وتاريخه وتراثه ليس فقط غير مرئي بل لا وجود له !! حيث كشفت صحيفة هارتس اليهودية ضمن تقرير مفصل حول الاعتداءات اليهودية على المساجد والمقابر : " أن اليهود المتدينين حولوا العديد من مقابر المسلمين إلى مزارات لليهود بعد أن كتبوا على جدرانها كتابات باللغة العبرية ؛ والغريب في الأمر انه منذ حوالي 200 سنة يوجد قبر على مقربة من مدينة يافا يقال انه لشيخ فلسطيني يدعى الغرباوي ظهرت قبل فترة وجيزة على جدرانه الداخلية والخارجية كتابات باللغة العبرية تقول أن هذا هو ضريح لقديس يهودي يدعى " منتياهو بن يوحنان " الكاهن الذي قاد التمرد اليهودي ضد اليونانيين وأصبح هذا الضريح مزارا لليهود المتدينين ، يقيمون الصلوات عليه ، ويضيئون الشموع ، ويمسحون كل أثر مسلم عليه " .
الكوفية الفلسطينية... لم تسلم من لصوص الأرض والتاريخ !!
من الأمثلة الحية على محاولتهم طمس تراث وتاريخ أهل فلسطين حربهم على كل ما يتعلق بالتراث الفلسطيني حتى وصل إلى الكوفية الفلسطينية ذات اللونين الأبيض والأسود ؛ فلم يعجب الصهاينة أن تلقى الكوفية هذا الانتشار، وأن تصبح خريطة لفلسطين المذبوحة على كل جدار؛ لذا سارعوا بصنع كوفية يهودية أنتجوها وأغرقوا بها الأسواق... لعلها تنسي رسم الكوفية الأصيلة التي عبرت عن القضية الفلسطينية بكل تعقيداتها، وشكلت خيوطها نسيج الذاكرة ، وكأنها الخارطة التي لم يتغير اسمها ورسمها مع كل الأحداث، التي بقيت صامدة أمام كل زيف الدعاية الصهيونية ومحاولة السلب والتزييف.
ومحاولاتهم لا تنتهي لسرقة التراث الفلسطيني فبعد أن سرقوا الزي الفلسطيني، والتراث الشعبي والأمثال الفلسطينية التي قالت أن أصلها يهودي!! ووزعت الأكلات الشعبية الفلسطينية علي أنها أكلات شعبية يهودية، بل إن المكسرات والزيتون والتمر الفلسطيني والعربي أصبحت توزع باعتبارها منتجا وطنيا للكيان اليهودي. فهم لا يريدون أن يتركوا لنا شيئا بممارسات واعتداءات لخصها "عاموس إيلون " بقوله : الإسرائيليون أصبحوا غير قادرين على ترديد الحجج البسيطة المصقولة وأنصاف الحقائق المتناسقة التي كان يسوقها الجيل السابق "
ويقول بني موريس أحد ابرز المؤرخين اليهود ، وهو باحث ومراسل ميداني وصحافي : " نحن الإسرائيليين كنا طيبين ، لكننا قمنا بأفعال مشينة وبشعة كبيرة ، كنا أبرياء لكننا نشرنا الكثير من الأكاذيب وإنصاف الحقائق ، التي أقنعنا أنفسنا وأقنعنا العالم بها "
وقد عبَّر الشاعر اليهودي إيلي إيلون عن هذه القضية بقوله : " إن البعث التاريخي للشعب اليهودي ، وأي شيء يقيمه الإسرائيليون مهما كان جميلاً ، إنما يقوم على ظلم الأمة الأخرى . ولسوف يخرج شباب إسرائيلي ليحار ويموت من أجل شيء قائم أساساً على الظلم ، إن هذا الشك ، هذا الشك وحده ، يشكل أساساً صعباً للحياة " (5).
التزوير طال كل ما هو إسلامي وعربي في بيت المقدس :
لإثبات زعمهم أنهم أصحاب تاريخ عريق في القدس قاموا بتزوير وتحريف المسميات ؛ واستخدموا أسلوب تهويد الأسماء بعدة طرق منها ترجمة الاسم إلى العبرية - العبرنة - مثل جبل الزيتون إلى هار هزيتم وجبل الرادار إلى هار دار شمال غرب القدس وغيرها ، وتحريف الاسم العربي ليلائم اسماً عبرياً مثل كسلا أصبحت كسلون والجيب جبعون والتحريف يتراوح بين استبدال حرف بآخر إضافة أو حذف .
من أساليب التحريف والتزييف في المدينة العمل على إزالة وطمس آثار القرى العربية واستخدام حجارتها في بناء المغتصبات اليهودية ، فبلدية القدس تتجنب البناء بالأسمنت المسلح لكي يخيل للزائر أن هذا السور بني من قبل مئات السنين ولكي يعملوا على إعادة استخدام هذه الآثار في تركيب تاريخ يهودي مزور . و أطلق الكيان اليهودي العنان للتجار اليهود لممارسة أبشع أشكال التجارة والسرقة غير المشروعة للمعالم الأثرية فلم تبق خربة إلا وعاث فيها اللصوص خراباً وتدميراً.
والاعتداءات اليهودية لم تمس الأحياء وحدهم بل طالت الأموات في قبورهم كمقبرة باب الرحمة " الأسباط " حيث أتت حفريات الجرافات الصهيونية على مئات القبور وتبعثرت عظام الموتى بحجة التطوير والأعمار ، وكذلك ما حدث في مقبرة مأمن الله العريقة حيث سيطر اليهود على هذه المقبرة وتوقفت عملية دفن الموتى منذ ذلك الحين ، وتناقصت مساحتها التي لم يتبقى منها سوى 19 دونم بعد أن كانت 136 دونم ، وهي تستخدم اليوم كمقر رئيسي لوزارة التجارة والصناعة الصهيونية ، وما زالوا يعبثون في قبورها التاريخية والتي تضم رفات بعض الصحابة والعلماء المسلمين ، وكان آخر الاعتداءات أن أقامت الجامعة العبرية حفلاً موسيقياً صاخباً على أراضي المقبرة ، وانتهك في ذلك الحفل كل المحرمات .
وتمارس الدعاية اليهودية أخبث الوسائل لإيصال رسالة واضحة للزائرين من اليهود وغيرهم بأن تاريخ تلك الأرض هو تاريخ اليهود فقط ، وتشوه كذلك صورة المسلم والعربي والحط من قيمته، وتحارب اقتصاد القدس والتجارة فيها بشتى الوسائل بقصد ترحيل التجار القسري المنظم .
وأخطر تلك الممارسات ما يقوم به المرشدون السياحيون من دور يتسم بالتزييف والتزوير خلال إرشادهم للسائحين عن القدس ، فهي " مدينة داود وسليمان والعرب احتلوها وبنوا مقدساتهم على أنقاض كنسهم ومقابرهم ومنازلهم "، وكذلك الكتب والكراريس والمجلات السياحية التي توزع وتباع في المكتبات خلال تجوالهم في شرقي القدس ، والتي لا تقل خطورة من القذائف الدبابات وصواريخ الطائرات الحربية !!
هذا ما أرادته المؤسسة اليهودية ليقولوا للعالم مضللين أن تاريخ شتات اليهودي موجود في جوانب المسجد الأقصى وتحته... بتزوير كل ما هو إسلامي وعربي في القدس ؛ لإيجاد تاريخ لليهود على أنقاض الحفريات والتحريف الرخيص على حساب الحضارة الإسلامية .
فلم تبق خربة ولا معلم أثري إلا وعاث فيها لصوص الأرض والتاريخ خراباً وتدميراً ، ولم تبقى حارة أو زاوية في القدس إلا وتعرضت لهذه الحفريات وعندما يجدون أي آثار إسلامية – وما أكثرها – فإن مصيرها الإهمال والضياع والتدمير ولا يتم توثيقها ؛ ومن أساليب بلدية القدس اليهودية الخبيثة في التحريف والتزوير ، أنهم قاموا بعد إزالة وطمس آثار القرى العربية ، بنقل حجارتها واستخدامها في بناء المغتصبات اليهودية ، فهم يتجنبون البناء بالأسمنت المسلح لكي يخيل للزائر أن هذا السور وهذا البيت بني من قبل مئات السنين ، لتركيب تاريخ يهودي مزور !! كما فعلوا في السابق بتحويل حارة المغاربة وحارة الشرف إلى حارة يهودية أسموها الحي اليهودي ، وبعض مساجد القدس القديمة التي حولوها إلى كنس ، بعد أن غيروا المعالم وأزالوا كل ما يثبت أنه مسجد للمسلمين !!!
مماريات أكدها موشى دايان سنة 1969 حين خطب في معهد التخنيون في حيفا قائلا لمن عارضه من اليهود على سياساته الاستعمارية :" لقد جئنا إلى هذا البلد الذي كان العرب توطنوا فيه ، ونحن نبني دولة يهودية …. لقد أقيمت القرى اليهودية مكان القرى العربية . أنتم لا تعرفون حتى أسماء هذه القرى العربية وأنا لا ألومكم ، لأن كتب الجغرافيا لم تعد موجودة . وليست كتب الجغرافيا هي وحدها التي لم تعد موجودة ، بل القرى العربية نفسها زالت أيضا .. وما من موضع بني في هذا البلد إلا وكان أصلا سكان عرب ".
وشهادة رئيس دائرة أراضي إسرائيل " يوسف فايتس "تسطر للتاريخ والأجيال حقائق لا بد أن تكون ماثلة أمامنا حين قال وقد إعتراه الهم والحزن من مارآه : " رأينا آثار الحضارة الزراعية الأصلية الجذور ، التي خلفها النازحون وراءهم ، ولقد تملكني الهم من جراء ذلك ، ومن جزاء واقعنا الحالي ، فمن أين لنا بطاقات بشرية كافية لمواصلة هذه الحضارة ولمتابعة تعميقها وتوسيعها ، ومتى سنقدر على حشر آلاف اليهود إلى هنا لكي يبقى الجليل على ازدهاره وإيناعه
وعن القرى العربية واستغلال الأرض من قبل المزارعين العرب ، فيقول نفس المسئول في يومياته عن زيارة استهدفت فحص قابلية استيطان اليهود في القرى العربية ، التي اضطر أهلها للجلاء عنها عام 1948م " كانت معظم هذه القرى كبيرة ومشيدة من البيوت الحجرية الجميلة ، ومحاطة ببساتين الزيتون والحقول الممتدة الواسعة ، وهي تضطجع بين انبساطة السهل وسفح الجبل ، أما ما يتربع منها فوق السطح فهي أصغر مساحة وأقل بيوتا وذلك لافتقارها للأراضي الصالحة للزراعة ولانتشار الأرض الصخرية فيها "
وهذه شهادات حق من أفواه الصهاينة، حينما وجدوا أن المادة البشرية الفلسطينية ليست بدائية أو متخلفة كما كان الصهاينة يروجون وإنما هي متقدمة وقادرة على اكتساب المهارات اللازمة للاستمرار في العصر الحديث وتحت ظروف القمع والقهر ؛ بشهادة المؤرخ البريطاني أرنولد ج . تويني في مقدمة كتاب تهويد فلسطين : " من أشد المعالم غرابة في النزاع حول فلسطين هو أن تنشأ الضرورة للتدليل على حجة العرب ودعواهم "
نوايا اليهود الحقيقية لادعاء هذا التراث :
لليهود في تلك الادعاءات والافتراءات نوايا ومخططات حقيقية والتي حاولوا فيها التخلص من عقدة النقص التي يعاني منها سادة وقادة اليهود بانعدام أماكنهم المقدسة في القدس ، وإيجاد تاريخ وثقافة وحضارة لهم على أرض فلسطين وحولها ، وادعاء ذلك التاريخ للأجيال اليهودية القادمة ، وربط اليهود بأرض فلسطين ومدنها بمزاعم واكتشافات وادعاءات مبتدعة ليس لها أصول في كتبهم ولا تاريخهم ولا تراثهم ، وتأمين منافع لليهود بالاستيلاء على المساجد والمقابر والأراضي وتبرير الوجود اليهودي في القدس وأرض فلسطين ؛ وطمس المعالم الإسلامية والتاريخية والحضارية والثقافية والعربية لمدن فلسطين ومدينة القدس على وجه الخصوص.
______________