الباب الأول في ذكر قراءة هؤلاء القراء في هذا الزمان
إن مما ابتدع الناس في قراءة القران أصوات الغناء ، وهي التي أخبر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها ستكون بعده، ونهى عنها ويقال إن أول ما غني به من القرآن قوله عز وجل أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ، نقلوا ذلك من تغنيهم بقول الشاعر أما القطاة فإني سوف أنعتها نعتًا يوافق عندي بعض ما فيها وقد قال رسول الله - ? - في هؤلاء : مفتونه قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم . وابتدعوا أيضاً شيئاً سموه الترقيص ، وهو أن يروم السكت على الساكن ثم ينفر مع الحركة في عدو وهرولة . وآخر سموه الترعيد ، وهو أن يرعد صوته كالذي يرعد من برد وألم ، وقد يخلط بشيء من ألحان الغناء . وآخر يسمى التطريب ، وهو أن يترنم بالقرآن ويتنغم به ، فيمد في غير مواضع المد، ويزيد في المد على ما ينبغي لأجل التطريب ، فيأتي بما لا تجيزه العربية . كثر هذا الضرب في قراء القرآن . وآخر يسمى التحزين ، وهو أن يترك طباعه وعادته في التلاوة ، ويأتي بالتلاوة على وجه آخر ، كأنه حزين يكاد يبكي مع خشوع وخضوع ، ولا يأخذ الشيوخ بذلك ، لما فيه من الرياء . وآخر أحدثه هؤلاء الذين يجتمعون فيقرأون كلهم بصوت واحد ، فيقولون في نحو قوله : أفلا يعقلون ، أو لا يعلمون : أفل يعقلون ، أول يعلمون ، فيحذفون الألف ، وكذلك يحذفون الواو فيقولون : قال' آمنا ، والياء فيقولون : يوم الدن في يوم الدين . ويمدون ما لا يمد ، ويحركون السواكن التي لم يجز تحريكها ، ليستقيم لهم الطريق التي سلكوها ، وينبغي أن يسمى هذا التحريف . وأما قراءتنا التي نقرأ ونأخذ بها ، فهي القراءة السهله المرتله العذبه الألفاظ ، التي لا تخرج عن طباع العرب وكلام الفصحاء ، على وجه من وجوه القراءات ، فنقرأ لكل إمام بما نقل عنه ، من مد أو قصر أوهمز أو تخفيف همز أو تشديد أو تخفيف أو إماله أوفتح أو إشباع أو نحو ذلك .