مواقف من حياة الفاروق
الفاروق الذي أذل بعدله الروم والفرس
عمر بن الخطّاب من أعظم الشخصيات فى تاريخ الأمة الإسلامية ، وهو الفاروق الذى فرّق بين الحق والباطل ، وكان شديداً فى الحق .
وهو أمير المؤمنين وأول من سُمِى بهذا الاسم ، وأول من اتّخذ الدُرّة(العصا) ليؤَدِب بها ،
كان إسلامه نصراً ، وكانت هجرته فتحاً ،كما قال عبد الله بن مسعود ، ومن أوائل الذين نزل القرءان موافقاً لآرائهم .
كان أول من فتح الفتوح بالشام والعراق وفارس ومصر
وأول من وضع نظام الدواوين فى الإسلام .
وأول من وضع للعطاء فجعل الرواتب شهرية .
أول من استقل بالقضاء ، وكان الولاة من قبله هم القضاة ، فعيّن قضاة وخصّصهم للقضاء وحده ، وكان يضع شروطاً لمن يتولّى هذا المنصب .
قال رضى الله عنه :
لا ينبغى أن يلى هذا الأمر ( أي القضاء )إلا رجل فيه أربع خصال : اللين فى غير ضعف ، والشدة فى غير عنف ، والإمساك فى غير بخل ، والسماحة فى غير سرف .
وقال عنه الرسول : إن الله تبارك وتعالى جعل الحق على لسان عُمر وقلبه .
وقال عنه على بن أبى طالب : لا نبعد أن تكون السكينة ( أى الإهام) على لسان عُمر .
قال له الرسول : والذى نفسى بيده ، مالقيك الشيطان قَط سالكاً فجّاً إلا سلك فجّاً غير فجّك ( الفج هو الطريق ) .
حياة الفاروق عمر بن الخطّاب ثرية بالحِكَم والعِبروالفراسة . فلتكن لنا وقفات مع بعض مواقفه رضى الله عنه ، اقتبستها من عدة كتب عن الفاروق عمر بن الخطّاب
في يوم من الأيام جاء رسول كسرى إلى المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية آنذاك لمقابلة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فسأل عن قصره، قالوا: ليس له قصر.
ثم سأل عن حصنه، قالوا: ليس له حصن.
قال: فأين يسكن، فأشاروا إلى بيت أمير المؤمنين.
فلما دنا منه إذا هو كأبسط بيوت فقراء المسلمين.
فقال لأهله أين أمير المؤمنين، قالوا: هو ذاك الذي ينام تحت الشجرة.فلما دنا منه وجده نائما في ملابس بسيطة تحت ظل شجرة قريبة.
فقال مقولته الشهيرة: “حكمت - فعدلت فأمنت فنمت يا عمر”.
قال عُمر :
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا ، وتهيئوا للعرض الأكبر ، يوئمذٍ تُعرضون لا تخفى منكم خافية ..
لِنَرَ كيف كان عمر يحاسب نفسه ، ويزن عمله ويهيىء نفسه للعرض الأكبر
* جاء إلى عمر رسول من عائشة رضى الله عنها ، وكان أبوها الصديق قد قال لها : ( أما إنّا منذ ولينا أمر المسلمين لم نأكل لهم ديناراً ولا درهماً ... ولكننا أكلنا من جريش ( غليظ ) طعامهم ، ولبسنا من خشن ثيابهم ، وليس عندنا من فىء المسلمين إلا هذا العبد ، وهذا البعير ، وهذه القطيفة
فإذا مت فابعثى بالجميع إلى عمر .. ) فحمل رسول عائشة ذلك كله إلى عمر وهو بالمسجد .
فلمّا رأى عمر ما بعثت به عائشة ، بكى حتى سالت دموعه على أرض المسجد ! ، وقال : ( رحم الله أبا بكر ، لقد أتعب مَن بعده ! ) ولكنه أمر بأخذ ما أرسلته عائشة ،
فقال له عبد الرحمن بن عوف : ( سبحان الله . أتسلب عيال أبى بكر عبداً ، وناضحاً ( أى بعير ) ، وشِقّ قطيفة ثمنها خمسة دراهم ! فلوأمرت بردّها عليهم ! ) فقال : ( لا ، والذى بعث محمداً لا يكون هذا فى ولايتى ، أيخرج أبا بكر منها ميتاً وأتقلدها أنا حياً ؟ ! ) .
وردّها إلى بيت المال ، كما أوصى أبو بكر ...
* فى إحدى أسواق المدينة طاف بمكان لبيع اللحوم يملكه الزبير بن العوّام ، ولم يكن فى المدينة مجزرة غيرها .. وشاهد ما يُعرض فى الأسواق ، وراقب الموازين
والمكاييل ..
ورأى رجلاً يشترى لحماً يومين متتاليين فضربه بالدرّة(العصا) وقال له : ( ألا طويت بطنك يومين ؟ ! ) .
* ووجد فى إحدى الأسواق رجلاً يمسك بتمرة ضائعة ويسأل عن صاحبها
فنهره عمر ، وضربه بالدرّة ، وقال له : (ليس هذا ورعاً ، ولكنه التكلّف ! كُلْها يا ذا الورع البارد ! )
* وجد رجلاً يسير متماوتاً ، فسأل عن أمره ، فقيل له إنه ناسك، فضربه بدرّته وقال له : ( هذا نفاق ، فالخشوع مكانه القلب لا الوجه ، اعتدل ولا تمت علينا ديننا أماتك الله ! ) .
* رأى إبلاً سماناً حسنة الهيئة فأعجبته ، فقال : ( لمن هذه الإبل ) . قالوا : ( إبل عبد الله بن عمر ) ، فأرسل من يأتيه بعبد الله فقال له : ( بخ بخ ياابن أمير المؤمنين ! ما هذه الإبل ! ) قال عبد الله : ( إنها إبل اشتريتها بمالى ، أتاجر فيها وأبتغى ما يبتغيه المسلمون . )
قال : ( ويقول الناس حين يرونها : ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين ! اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين ! وهكذا تسمن إبلك ، ويربو ربحك ياابن أمير المؤمنين ! يا عبد الله بن عمر ، خذ رأسمالك الذى اشتريت به هذه الإبل ، واجعل الربح فى بين مال المسلمين ! ) .
* رأى عمر فى إحدى الأسواق بائعاً يغش اللبن ، فضربه ، وأنذره بالحبس ، ووزع اللبن المغشوش على الفقراء ، وأنذر من يغش اللبن بعقاب أليم ، وذكّر الناس بقول رسول الله : ( من غشّنا فليس منا )
* قابل فى السوق رجلاً غريباً فسأله عمر : ( ما اسمك يا رجل ؟ ) قال : ( جمرة يا أمير المؤمنين . ) قال : ( أبو من ؟ ) قال : ( أبو شهاب ) قال : (فممن ) قال : ( من الحرقة ) قال : ( أين سكنك ؟ ) قال :
( بحرقة النار ) قال : ( بأيتها ؟ ) قال الرجل : ( بذات لظى . ) .
وعلى الرغم من أن عمر كان قليل المزاح ، إلا أنه لم يسعه إلا أن يقول للرجل : ( أدرك أهلك قبل أن يحترقوا ! ) ..
* جاءه أعرابى فقال له : ( يا عمر ! اتق الله . ) فهمّ أحد جلساء عمر أن يبطش بالرجل ، وقال له : ( أمثلك يقول لأمير المؤمنين اتق الله ؟ ! ) فقال عمر : ( دعه ، فليقلها ، فلا خير فيكم إن لم تقولوها ، ولا خير فينا إن لم نسمعها . دعه فليقلها لى ، فنعم ما قال ! ) .
ثم دعا الناس ، فصعد المنبر فقال : ( يا معشر المسلمين ماذا تقولون لو ملت برأسى إلى الدنيا ؟ إنى لأخاف أن أخطىء فلا يردّنى أحد منكم تعظيماً لى ! .. إن أحسنت فأعينونى ، وإن أسأت فقومونى . )
فقال له رجل : ( والله يا أمير المؤمنين لو رأيناك خرجت عن الحق لرددناك إليه . ) ووثب رجل آخر فقال : ( والله يا أمير المؤمنين ، لو رأيناك معوجاً لقوّمناك بسيوفنا . ) فقال عمر : ( رحمكم الله ، والحمد لله الذى جعل فيكم من يقوّم عمر بسيفه .) ...